ثقافة

في القرآن كفاية

المقدمة

القرآن يكفي كل حاجات الإنسان في حركته الى الله.

إنّ الروح بحاجة الى الارتباط والاتصال بالله بالصلاة والذكر والدعاء والحب والمناجاة، والعقل بحاجة الى المعرفة والوعي، والجسم بحاجة الى طائفة واسعة من الضرورات. وهذه الحاجات تلح في طلب الاستجابة، وعدم الاستجابة لها يعيق حركة الإنسان ونموّه وتكامله في الطريق الى الله تعالى.

مواقف المذاهب الوضعية من حاجات الإنسان

وللناس مواقف مختلفة من هذه الحاجات:

فمن الناس من ينفي طائفة من هذه الحاجات وينكرها بشكل كامل، كما ينفي الماديون والملحدون حاجات الروح وطلباتها بصورة كاملة. ومن الطبيعي ان انكار هذه الحاجات ونفيها لا يلغي هذه الحاجات ولا يعطلها، فتبقى هذه الحاجات قائمة في نفس الإنسان، ويكون نفيها وانكارها من نفي الأمر الواقع الذي لا يغير من الواقع شيئا.

ومن الناس من يعترف بهذه الحاجات جميعاً، ولكن يصد جملة منها، ويكتبها، كما تفعل الاتجاهات والمذاهب الروحية، تجاه حاجات الجسم.

ومن الناس من لا يفعل هذا ولا ذاك، ولكن يستجيب لهذه الحاجات بصورة غير متوازنة فيحدث خللا بين الاستجابة لحاجات الإنسان المختلفة ويغلّب جانبا على جانب.

والاسلام يعترف بهذه الحاجات جميعاً، ولا يستقذر شيئاً منها، فهي كلها حاجات روحية وعقلية وطبيعية نظيفة، اذا تمت الاستجابة لها بصورة صحيحة، فكل حاجة في الاسلام مشروعة لان الله تعالى اودعها في نفس الإنسان، شريطة ان تكون الاستجابة في حدود دين الله وشرعه.

والاستجابة لهذه الحاجات ينبغي ان تتم بصورة متوازنة لا تحدث خللا في توازن هذا التركيب {وَابْتَغِ فيما اتاكَ اللهُ الدّارَ الاْخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنْيا}[1].

والقرآن كتاب الله ومصدر شريعته ودينه، يستجيب لكل الحاجات التي أودعها الله تعالى في الاسلام، بصورة متوازنة، ومتعادلة، من دون أن يتنكر لطائفة منها، او يصد طائفة منها، او يُحدث خللا في التوازن في الاستجابة لهذه الحاجات.

ان الذي انزل هذا الكتاب هو الذي خلق فطرة الإنسان، فهو أعلم بما اودع في هذه الفطرة، وفي هذا التركيب العجيب ـ الروح والجسم ـ من حاجات، وهو أدرى وأقدر على الاستجابة الصحيحة لها.

ولو أن الناس لجأوا الى كتاب الله، واستمدوا الهدى والمعرفة لأغناهم القرآن وكفاهم وسدّ كل حاجاتهم، ولم يترك في ساحة حياة الإنسان من حاجة او نقص، واذا اعرضوا عن كتاب الله لم يغنهم شيء، ولم يسد فاقتهم وخلتهم شيء.

عن الامام علي بن ابي طالب×: «واعلموا انه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لاحد قبل القرآن من غنى»[2].

وعنه× ايضا: «القرآن غنى لا غنى دونه، ولا فقر معه»[3].

مأساة الإنسان المعاصر في الحضارة الجاهلية

ولعل من اهم مآسي الإنسان المعاصر في الحضارة الجاهلية الاحساس بان هذه الحضارة تستجيب فقط لبعد واحد من بعدين اساسيين في شخصيته، وتلبي حاجات هذا البعد فقط، وهو البعد الحيواني من شخصية الإنسان. اما البعد الاخر من شخصية الإنسان وهو البعد السامي، والذي يتمثل في الروح وحاجات الروح والفطرة وحاجاتها، فلا تستجيب له هذه الحضارة وتتنكر له.

والإنسان المعاصر ـ في هذه الازمة الحضارية ـ يشعر شعوراً عميقاً بان هذه الحضارة تتنكر لشطر من شخصيته وتصادره، وتعمل لاغتيال هذا البعد الهام من شخصيته، ولذلك يشعر هذا الإنسان دائما بالغربة في وسط المجتمع والحضارة التي تحتضنه، وذلك ان هذه الحضارة وهذا الوسط الحضاري لا يحسن معرفته، ولا يمت اليه بصلة قوية، ويشعر بالحقد على هذه الحضارة، وعلى الوسط الحضاري الذي يحتضنه، ويحب ان ينتقم لنفسه من هذا الوسط الحضاري، ينتقم للشطر الذي تعمل هذه الحضارة على اغتياله، ومصادرته، والتنكر له.

ورغم ان هذه الحضارة توفر للانسان كل اسباب المتعة واللذة الحيوانية، وتبيح للانسان كل انواع التمتع، وتوفر للانسان كل متطلبات الرفاه والراحة واللذة… مع ذلك فان الإنسان المعاصر في الحضارة المادية يشعر بالنضوب والجفاف في هذه الحضارة والظماء في داخل شخصيته، ويشعر بان هذه الحضارة لا تتمكن من ان تروي هذا الظماء الذي يشعر به.

وهذه هي محنة الإنسان المعاصر في الوسط الحضاري الجاهلي، وميزة القرآن الكبيرة انه يلبي كل حاجاته ـ حاجات الروح والجسد ـ على نحو سواء، ويكفي هذا الإنسان ويغنيه، ويسدها كلها بطريقة صحيحة متوازنة، ويروي ظمأ الإنسان، ولا يتنكّر لجانب من شخصيته، ولا يصادره ولا يغتال شطراً منها، كما تفعل الحضارة الجاهلية المادية.


الهوامش والمصادر

  • [1] ـ القصص: 77.
  • [2] ـ نهج البلاغة: الخطبة رقم 176; وبحار الأنوار: 92/24.
  • [3] ـ مجمع البيان 1/15.
تحميل الفيديو
الشيخ آية الله محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن 1 (وعي القرآن)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى