مرحلة السجن والقيد، والأغلال والأصفاد، تعتبر من أخطر المراحل التي يمر بها السجين، الذي عانى ما يعجز القلم عن وصفه، من العذابات والترهيب والضغط لأوقات طويلة، قد يجد متنفساً مع أناسٍ آخرين حوتهم جدران السجن، فيتخذ منهم الأصدقاء ويندمج معهم، ويكّون ويؤسس بهذا مجتمعاً صغيراً، لينسى تلك الحقبة المظلمة في فترة التحقيق.
لكن أيها العزيز قد تغفل عن أمر خطير جداً، وهو ما يعمل عليه هذا الظالم المتجبر، وأن المعركة لم تنتهي عنده بسجنك في زنزانة ضيقة، بل يرى من الواجب أن يصنع منك إنساناً آخر لا تشكل له أيَّ خطر في المستقبل، وهذا ما يسمى بالحرب الناعمة أو التغيير الناعم وغير المحسوس والذي يعتمد على عاملين:
العامل الأول: الوقت.
العامل الثاني: التأثير البطيء.
فهو يملك الوقت الكافي حتى يؤثّر في نفوس الثوار الأباة؛ لأن تغيير المبادئ والقيم يحتاج إلى الوقت الطويل حتى تؤتي العملية التغييرية ثمارها، ويسلب منك ما قضّ مضجعه وأسهره لياليه، وهذا يكون عن طريق الأحكام الكبيرة التي يحكم بها على الثوار، فحينئذ يعدّ برنامجاً مناسباً للوقت الذي لديه ليحكم خطته العنكبوتية التي يرمي بشباكها على قلب ومبادئ وقيم وثقافة وفكر الثائر.
وما دام الوقت متوفراً لديه، فيعمل على التأثير البطيء غير الواضح لدى المستهدَف، والذي لا يستهجنه الثائر بسبب طول المدة وعدم الإحساس لهذه العملية التغييرية، ولو كان هذا التغيير سريعاً وواضحاً لدى الثائر السجين لقاومه بسرعة وأفشل خطتهم وآلت للخراب، من هنا يتبين محل الخطر حيث أن يعتمد على عامل طول الزمن وعامل التأثير البطيء.
المبادئ التي ضحيت من أجلها وقاسيت ما قاسيت لأجلها، قد تكون أنت سبباً في إفشالها وضياعها، وقد تكون أنت أول أعدائها ومحاربيها، بعد أن كنت أنت المدافع والمحامي عنها من هذا الظالم المعتدي.
وعلى هذا الأساس يعمل العدو على أكثر من صعيد للتأثير فيك، منها: الصعيد الثقافي، والصعيد التربوي، الجهادي، والسياسي، والتعليمي وغير ذلك.
سنتحدث في المواضيع القادمة حول مجاري السجن والأسلحة التي بيد السجان للضغط على السجين فترة اعتقاله في العناوين التالية:
- زرع اليأس
- التشكيك في حقانية الثورة ورجالاتها
- الفراغ القاتل
- انتبه العدو يعيد صياغتك
- لا لذلة النفس ” هيهات منا الذلة “
- احذر الجلسات الفردية
