بيرق

أسلحة السجّان عند التحقيق (5): تعذيب نفسي ممنهج

من أول الاعتقال تدخل نفسُك في اضطراب وتوتر شديدين، بسبب الخوف من المجهول، فأنت تجهل وضعك الحالي، وما سيؤل إليه أمرك، وأنك كيف ستواجه الموقف وتتصرف بإزائه، وتتعرض للضرب والسب والقذف في كل فترة، وقد تترك لفترة طويلة من دون سؤال أو تحقيق؛ لكي يزداد توترك وتتسع دائرة الوهم عندك.

أخي الثائر عليك التنبه من هذا الوضع، فهذا الوضع بداية اللعبة النفسية لزرع الخوف واليأس في نفسك؛ لكي يسلبوا منك ثقتك بنفسك وشجاعتك وصبرك وإرادتك، حتى تستجيب لهم فيحركوك وفق إرادتهم، وتكون في موقف الضعف لا القوة، فعليك أن تكون أنت المبادر لا هم، بل أنت من تنزلهم تحت قوتك وسلطتك، فتجعلهم ينتظرونك بدل أن تنتظرهم.

قد تستغرب أخي الثائر من هذا الكلام، أنك في وضع لا تحسد عليه، ومحاط بالمحققين والسجّانين، كيف تكون المبادرة والسيطرة عليهم من قبلك، وفرض قوة نفسك وإرادتك؟

لا أدّعي سهولة ذلك وبساطته، ولا أريد جعل الأمر ساذجاً إلى هذه الدرجة، ولكنك تمتلك رصيداً من الشجاعة التي واجهت بها هذه الجحافل على مدى أشهر أو سنوات من المطاردة والبحث عنك، حتى باءت محاولاتهم في كثير من الأحيان بالفشل، بل واجهت نظاماً بوليسياً مدعوماً من كل القوى العظمى وكسرت شوكتهم، وأرهقت قواهم، وأذلّيت غطرستهم، وسحقت هيبتهم، بصمودك وإرادتك، هذا أولاً.

وثانياً أنت من تملك المعلومات وليس هم، هم المحتاجون لما في صدرك، فهم لن يقتلوك؛ لكي يحصلوا على ما تحمله في جوفك، وما تخفيه بين جنبات صدرك، وما قبضت عليه بأناملك وإرادتك وصبرك وتوكلك على الله، فأنت إذن في محل القوة والقدرة على فرض الإيقاع العام، وتحمل هذا الأذى في سبيل الله، فأنت من تتحكم بالمحقق والسجّان، تتحكم بأعصابه، وتوتره، وصبره، وإرادته، وهو يتكل على ظلمه، وسياطه، وآلة تعذيبه، فهنا تحصل المفارقة، بينك وبين سجّانك، فأخبرني أيها الثائر الصلب والقوي ذو الإرادة الصامدة من الذي بيده المبادرة والقدرة والسيطرة على الإيقاع العام للتحقيق.

وثالثاً حتى لو وصل الأمر لمرحلة القتل والفتك بك، ستحصل على الشهادة التي طالما تمنيتها وتغنيت بها، وتوسلت إلى الله عزّ وجل بالتوفيق للحصول عليها، فتحصل على إحدى الحسنيين، إما أن تذهب إلى لقاء الله ورسوله مخضباً بدمائك، شاهداً على ظلامتك وظلامة شعبك وأمتك، عندها تكون خير مثال للأمة ويصنع دمك تاريخاً جديداً من الثورة والثبات وإما أن تصبر على ألم الجسد الذي يستطيع بإرادتك تحمل ما يقع عليك من عذاب، وتصنع تاريخاً مجيداً ومضيئاً بالثبات والصبر في سبيل الله وسبيل نصرة دينه ورفع الظلم عن عباده.

وتحكى قصة عن أمين سر حزب الدعوة آنذاك، أنه كان يقول لجلاوزة صدام: أن كل أسرار الحزب في صدري ولن تستطيعوا الوصول لها، وفعلاً لم يصلوا لها، حتى قضى شهيداً بعد انتصار موقف الإرادة على موقف عذابات الجسد.

وقصة أخرى عن أحد العلماء الإيرانيين في سجون الشاه، حيث كان يهدده أحد المحققين، فأجابه: أتهددني بالسجن والسجن عندنا عبادة، وتهددني بالتهجير والتهجير عندنا سياحة، وتهددني بالقتل والقتل عندنا شهادة.

فهذا كله أخي العزيز الثائر تحت طوع إرادتك، وثبات موقفك، ومعرفة الحق الذي أنت ناصره والقابض عليه بيديك.

ولا يكتفي السجّان اللعين الخبيث بهذا، فيهددك بعرضك وأهلك، يصور لك تخلي الأصحاب ورفاق الدرب والثورة عنك، فيحصرك في عنق الزجاجة، فيخيرك بين أمرين مُرّين، لا حلاوة فيهما أبداً، لكن نحن أبناء ذاك الإمام الهمام، الذي ضحى بكل شيء، بأولاده وأصحابه وأهل بيته، وببنات الرسالة، بزينب وسكينة والأطفال، في سبيل حفظ المبادئ والقيم الثورية؛ لكي تصل هذه المفاهيم لنا ونجسدها على أرض الواقع، فتجسّد أيها الثائر والمقاوم بوعيك وثباتك موقف الحسين وأصحابه، فتجد الموت دون ذلك – الاعتراف – أحلى من العسل.

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى