بيرق

أسلحة السجّان عند التحقيق (4): كسر العظم

بعد نجاحك فيما مضى على إرادة السجّان، وعدم مقدرته على التغلب على إرادتك، يبدأ بعدها السجّان بسلاح آخر، وهو سلاح كسر العظم، وهو عبارة عن التعذيب الجسدي عن طريق الضرب بالخراطيم، والصعق بالكهرباء، والفيلقة والتعليق، وغير ذلك مما أعد لهذا الغرض، فيتحول جسدك إلى ألوان مختلفة، زرقاء وخضراء ومائلة للون البنفسجي، وينتفخ جسدك من كثرة الضرب والإيلام، فتحس بالألم يسري في جميع أنحاء جسدك المقاوم لكل هذه الأساليب الموجعة، حتى تصل لمرتبة عدم الإحساس بالألم، وتسمع صوت نهيق – شهيق وزفير – السجّان من التعب والإجهاد، فتعلم أنك كسرت إرادة السجّان فقد انتصرت في مرحلة الإرادة والصبر على مرارة التعذيب.

أخي الثائر قد يخيّل لك أو تسول لك نفسك إفشاء أسرار عملك، لكي تبعد عن نفسك شبح التعذيب أو لكي لا يستمر الوضع الذي أنت فيه، لكن اعلم أن افشاء أيّ سرٍّ يعرضك لوضع أكثر خطراً وإيلاماً؛ لأنه سيعطل مشروعك التغييري عن النمو، وستفقد الساحة الكوادر الفاعلة والمهمة التي أخذت من الوقت والجهد الكثير في الاعداد والتهيئة، في لحظة فقدان الإرادة، وفقدان الصبر على الأذى في سبيل الله، تحطم كل ما سعيت له ولإنجازه، والله لهذا أمر عجيب، أنك تتخلى عنه بتعذيب قاسٍ بلغ ما بلغ.

ولا تحسب أن السجّان والمحقق وآلة التعذيب ستتركك، بل ستلازمك ما دمت تدلي بالمعلومات الثمينة والجديدة والمؤثرة، فكلما اعترفت بشيء، فسيشعرون بأن لديك المزيد، وأنت تخفيه فيشتد التعذيب والعذاب، وبدلًا من التخفيف عليك سيزيدون من وحشيتهم وذئبيتهم نحو جسدك المتخم بالآلام والعذابات.

ولك في التجارب عظة وعبرة، فهي كثيرة لا تحصى، فمن أبدى عدم المعرفة، وصمد في العذابات، كان ألمه أقل بكثير وبمسافات شاسعة عن مَن نشر معلوماته على طاولة التحقيق، غفلة منه وحماقة بأن ذلك يجعل قلوبهم ترأف به وتحنو عليه.

ولنا صورة جميلة ناصعة من وجه التاريخ من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، أحاطتهم الجيوش من كل جانب حتى علموا بالحتف الأكيد، وكانت لهم الفرصة للنجاة بأنفسهم، ولكن لم يهدموا كل ما بنوا وأسسوا في لحظة خوف أو تراجع حتى لو قتلوا سبعين قتلة، ولو نشروا بالمناشير لما تركوا الوضع الذي هم عليه من الحق والطاعة، والبذل في سبيل الله.

أخي الثائر أنت القابض على الجمر، والثابت على المبادئ، لا تزلزل قدمك الويلات والزلازل، تزول الجبال ولا تزل، فأنت الأمل لصنع التغيير، فكن على ثقة تامة بإرادتك الفولاذية الصلبة، بأنك لا تفشي سراً لك ولا لعملك؛ لأنه من أسرار الله عندك والمؤتمن عليها، وأنت خير حافظ وأمين.

وسيأتي بإذن الله في عنوان خاص الحديث عن ثقافة الاعتراف الخطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى