ثقافة

الجهاد طريقٌ لإحقاق العدل

“هناك أثرٌ آخر ونتيجةٌ مختلفة لمستقبل هذا العالم، حيث يزول اليأس والإحباط من قلوب الشعوب، ونعلم حينها أنّ جهادنا مؤثّرٌ ومنتج. أحياناً، هناك أفرادٌ ممّن ليسوا مطّلعين على هذا البعد من الفكر الإسلاميّ، يصابون بالحيرة واليأس أمام هذه الحسابات والمعادلات المادّية الكبرى في العالم، ويتساءلون فيما بينهم كيف يمكن لشعبٍ يريد أن يثور أن يقاوم مثل هذه القوى العظمى والتكنولوجيا المتطوّرة والأسلحة المدمّرة، ومثل هذه القنابل النووية الموجودة في العالم؟

يشعرون أنّ الصمود مقابل ضغط قوى الظلم والاستكبار أمرٌ غير ممكن. لكنّ الاعتقاد بالمهديّ والإيمان بتحقّق عصر الحكومة الإسلامية والإلهية على يد ابن النبيّ وإمام الزَّمان يحقّق هذا الأمل في الإنسان ويقول له، كلّا، سنجاهد لأنّ العاقبة لنا، ولأنّ عاقبة أمرنا هي أنّ هذا العالم يجب أن يخضع ويسلّم وسوف يحصل هذا الأمر. وذلك لأنّ مسير التاريخ يتّجه نحو ما قمنا اليوم بوضع أسسه وقد حقّقنا أنموذجاً عنه ولو كان ناقصاً. ومثل هذا الأمل لو وُجد في قلوب الشعوب المناضلة ـ وخاصّةً الشعوب الإسلاميّة ـ فسوف يمنحها حالةً من النشاط المستمرّ بحيث لا يمكن لأي عاملٍ أن يخرجها من ميدان الجهاد والنضال، أو أن يصيبها بالهزيمة الداخليّة.

ويوجد نقطةٌ أخرى وهي أنّ التبليغات والأفكار المغلوطة في ذهن النّاس قد انغرست، وعبر كلّ هذه السنين المتمادية، إلى تلك الدرجة حيث اعتقدوا أنّ أي تحرّكٍ إصلاحيّ لن يكون مفيداً ومثمراً قبل قيام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويستدلّون بأنّ الدنيا يجب أن تُملأ ظلماً وجوراً حتّى يأتي الإمام المهديّ، وما لم تمتلئ بالظلم والجور فإنّه لن يظهر.

كانوا يقولون إنّ الإمام يظهر بعد أن تصبح هذه الدنيا مليئةً بالظلم والجور. والنقطة الموجودة هنا هي أنّ في جميع الروايات الّتي وردت بشأن الإمام المهديّ، فإنّ الجملة هي هكذا: “يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً[1]، أنا العبد لم أشاهد موضعاً واحداً ولا أظنّ أنّه يوجد “بعدما مُلئت ظلماً وجورا“. فبالالتفات إلى هذه النقطة، رجعت إلى الروايات العديدة في الأبواب المختلفة ولم أجد في أيّ مكانٍ جملة، “بعدما مُلئت ظلماً وجورا“، ففي كلّ الأماكن يوجد “كما مُلئت ظلماً وجورا“، أي أنّ امتلاء الدنيا بالعدل والقسط بواسطة الإمام المهديّ لا يكون مباشرةً بعد أن تُملأ بالظلم والجور، كلّا، بل إنّه كما حصل طوال التاريخ، وليس في موضعٍ واحد أو زمان واحد، بل في أزمنة مختلفة، كانت الدنيا تُملأ بالظلم والجور، سواءٌ في عهد الفراعنة، أو في عصور الحكومات الطاغوتية أو في أيّام السلطات الظالمة الّتي جعلت كلّ هذه الدنيا ترزح تحت وطأة ظلمها وفي ظلّ السحب السوداء للجور والعدوان بحيث إنّه لم نرَ فيها أيّ علامة على العدالة والحرّية، فكما أنّ الدنيا عاشت مثل هذا اليوم، فإنّها سترى يوماً يمتلئ العالم كلّه في جميع آفاقه بنور العدل، ولا يكون فيه أيّ مكانٍ لا يمتلئ بالقسط.

وهناك لن يكون أيّ مكانٍ يحكمه الظلم أو يكون فيه البشر تحت وطأة الظلم وجور الحكومات وتسلّط المقتدرين، وآلام التمييز العنصريّ. أي أنّ هذا الوضع الّذي يهيمن على العالم اليوم وقد كان يعمّ هذه الدنيا في يومٍ من الأيام، سوف يتبدّل إلى عموميّة العدل”[2].

الهوامش والمصادر

  • [1] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص341.
  • [2] الإمام السيد علي الخامنئي، إنسان بعمر 250 سنةً، ص383-386.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى