ثقافة

بسط العدل هدف الإمام المهدي

“قضية غيبة صاحب العصر، قضية مهمّة نفهم من خلالها العديد من المسائل ومنها:

إنّ الله لم يدّخر إنساناً ينهض بهذا العمل الجبّار في بسط العدل بمعناه الحقيقيّ في كلّ المعمورة إلّا المهديّ الموعود -سلام الله عليه-. فكل الأنبياء جاؤوا لتطبيق العدل وكانت مهمتهم نشر العدل في ربوع العالم برّمته، ولكن لم يكتب لهم النجاح. وحتّى خاتم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء لإصلاح البشرية وتطبيق العدالة، لم ينجح في تحقيق هذا الهدف في عصره. وإنّ من يكتب له النجاح في تحقيق هذا الهدف سينشر العدالة في كافة أنحاء العالم، وليست العدالة التي يفهمها عامة النّاس والمتمثلة فقط في بسط العدل على الأرض لتحقيق الرفاهية للناس، بل العدالة في كافة المراحل والدرجات الإنسانية. الإنسان إذا ما انحرف عن جادة الصواب سواء انحرافاً عملياً، أو انحرافاً روحياً، أو انحرافاً عقلياً، فمعالجة هذه الانحرافات بالمعنى الحقيقيّ هي إيجاد العدل لدى الإنسان. فعندما يعود الإنسان المنحرف خلقياً إلى جادة الاعتدال فإنّ ذلك يعني تحقيق العدالة في داخله، وإذا ما طرأ أيّ انحراف أو سقم على عقائد الإنسان فإنّ تعديل هذه العقائد المعوجة والسقيمة والعمل على تصحيحها وجعلها على الصراط المستقيم يعدّ بسطاً للعدل على صعيد عقل الإنسان. ففي عصر ظهور المهديّ الموعود – سلام الله عليه – الذي ادّخره الله، وبما أنّه لم يتيسّر لأحد من الأولين والآخرين – سوى الإمام المهديّ الموعود – أن يبسط العدل في كلّ العالم، فإنّ الشيء الذي لم ينجح الأنبياء في تطبيقه رغم أن بعثتهم كانت لأجله، فالله تبارك وتعالى قد ادّخره ليقيم ما كان يتمناه جميع‏ الأنبياء إلّا أنّ العقبات حالت دون تطبيقه، وكذلك ما كان يتمنّاه الأولياء، ولكن لم يتمكّنوا من تحقيقه.

فإذا كان عيد مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أكبر عيد للمسلمين، وهو لم ينجح في تحقيق كلّ ما يتطلع إليه، وبما أنّ صاحب الأمر- سلام الله عليه – سينجح في تنفيذ ذلك وسيملأ العالم قسطاً وعدلًا وفي شتى مراحل العدالة، في شتى مراحل القسط، فبإمكاننا أنَّ نقول إنَّ عيد شعبان وعيد مولد المهديّ الموعود – سلام الله عليه – هو أكبر عيد للبشرية جمعاء. فعندما يظهر الإمام – سلام الله عليه -، ونسأل الله تعالى أن يعجّل في ظهوره، سينتشل الإنسانية من الانحطاط، وسيعالج كلّ الانحرافات، ويملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جوراً.

إنّ هذه العدالة ليست كما نفهمها نحن ولا تقتصر على إيجاد حكومة عادلة خالية من الجور بل تتعدّى إلى ما هو أكثر من هذا المعنى. معنى يملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جوراً، هو أنّ الأرض ملئت جورا وهي تزداد سوءاً، فجميع النفوس الموجودة تعاني من الانحراف. حتّى نفوس الشخصيات المتكاملة تعاني من الانحراف ولو من حيث لا تعلم.

فالأخلاق يعتريها الانحراف، والعقائد يعتريها الانحراف والأعمال يعتريها الانحراف. ولا يخفى الانحراف في الأعمال التي يقوم بها الإنسان. إنّه مأمورٌ بأن يعالج كلّ معوجّ وأن يعيد كلّ الانحرافات إلى جادّة الاعتدال، ليصدق حقاً (يملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جوراً). ومن هذا المنظار يعتبر هذا العيد عيداً للبشرية جمعاء كما أنّه يعد عيداً من أعياد المسلمين.

هذا العيد هو عيد الإنسانية برمتها، حيث إنّه سيهدي البشرية جمعاء إن شاء الله، ويضع حداً للظلم والجور في كافة المعمورة وفي معناه المطلق”[1].

الهوامش والمصادر

  • [1] صحيفة الإمام، ج12، ص385.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى