ثقافة

الانتظار الإيجابيّ عند الإمام المغيّب السيد موسى الصدر

“ليس معنى الانتظار ترك الشيء على الآخرين، فإنّ معناه عدم الانتظار والاستسلام!

فعندما نقول إننا في حالة “الانتظار” فماذا يعني ذلك؟ بالتأكيد لن يكون معناهُ أن نقعد في بيوتنا، وننام، ونأكل ولا نبالي ولا نراقب. هذا ليس اسمه الانتظار في اللغة العربية.

الانتظار معناه أن نكون على استعداد، سيوفنا بأيادينا، بنادقنا بأيادينا، ونتدرب، ونتجند، ونهيئ أنفسنا، ونضع أجهزة للكشف حتّى نعرف متى يكون هذا الهجوم المفاجئ، هذا معنى الانتظار.

وأمّا نحن، فعندما نقول إنّنا بانتظار المهديّ، فإننا نكون في انتظار إمامٍ سيملأ العالم قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً! فكم هو عظيم هذا الحلم، وكم هو كبير هذا الهدف.

وهل سيكون تحقيق هذا الهدف بيد المهديّ، وحده؟ لا! بمساندتنا نحن الذين نريد أن ننصر المهديّ على العالم، بعرضه وطوله.

نحن منتظرون, يعني نتهيأ للقيام بهذا الدور متى ما دُعينا إليه. حينها ينبغي أن نترك كلّ ما نملك ونكون مستعدين. والاستعداد يشمل التدريب: التدريب النفسيّ، التدريب الفكريّ، التدريب الروحيّ، التدريب الجسديّ، والفنيّ والعسكريّ…الخ.

والحياة لها ثمن، والعزّ له ثمن، والانتظار له ثمن، والنجاح له ثمن… غير أنّه “أبى الله أن يجري الأمور إلّا بأسبابها“، ومن المفروض أن يدفع الإنسان ثمن كسبه وإنجازه. وعن الإمام علي عليه السلام قال: “الأماني غرور الحمقى“. الأحمق هو الوحيد الذي ينتظر الانتصار من دون تعب، والأحمق هو الوحيد الذي ينتظر المال من دون تعب، وينتظر المجد من دون تعب، وينتظر القوة من دون تعب ومن دون سعي، وهذا أمر لا يمكن!

فإذاً، الانتظار هذا الذي كان يجنّد أجدادنا من السلف الصالح، الذين وقفوا وحفظوا أنفسهم، ألا فلننظر للأمل في آثارهم: في القلاع، والمعسكرات، والأديرة. انظروا إلى المسيحيين الذين كانوا موجودين هنا، لقد بنوا الأديرة الصلبة من الصخور!

ومن المسائل الهامّة في الحديث عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الحديث عن ضرورة رفع الحجاب بيننا وبينه عليه السلام. ففي صلاة الجماعة، إذا كان هناك حجاب بين الإمام والمأمومين، فصلاة الجماعة باطلة، وهو إشعارٌ بأنّ الإمام يجب أن يكون مع النّاس، ومتّصلاً بالنّاس، لا يترفّع عنهم، ولا يتعالى عليهم، ولا يحتجب عنهم ولا يحول ويبتعد عنهم. إنّ في هذه المسألة لحكماً اجتماعياً جميلاً! وحتّى صلاة الفرادى فهي عبادة، وهي اتّصال مع الله, إذا فكَّرنا فيها، فسوف نجد فيها أحكاماً اجتماعية كثيرة: نجد فيها النظافة، ورعاية لحقوق النّاس، كما نجد المنع عن الصلاة في المكان المغتصب واللباس المغتصب فهي صلاة باطلة.

وفي صميم الصلاة: أما كان من الممكن أن الله يأمرنا بالصلاة، ويقول لنا اجلسوا على الكرسيّ، وأغمضوا عيونكم ولا تتحرّكوا، وتوجّهوا بقلبكم إلى الله؟! أما كان هذا الشيء ممكناً؟! لماذا لم يقل ذلك؟! أحد الباحثين الكبار، اسمه محمد أسد، يرى أنّ في صلاة المسلمين أعظم درس لحياتهم، ويقول: الإنسان إذا كان يصلّي وهو ساكت، وهادئ، كان متوجّهاً بقلبه إلى الله، والله يريدك أن تكون في صلاتك متوجّهاً بقلبك إليه، وتقوم وتقعد وتركع وتسجد… وتتاح لك فرصة الجمع بين المقامين: مقام التوجّه إلى الله بالقلب، ومقام صدور العمل من الجسد.

إنّ الأمل والانتظار، كانا من نتائج هذه العقيدة في تاريخنا، ولا بدّ أن نلفت النظر إلى اقتران قضية الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بالمسجد، فما هو الرابط بينهما؟

المسجد بدء الطريق، وهو النقطة الأولى للانطلاق. المسجد هو الذي يكرِّسُ الأمل ويهيِّئُ الانتظار، عبر التكريس العمليّ. أليس المسجد مكاناً لعبادة الله، عبادة الله تكرّس وتصون الإيمان.

فهل يكون الواحد مؤمناً بقلبه ولا يمارسُ إيمانه في جسده؟ هذا لا يُمْكِنُ! فإذا كان الشخص، يريد أن يقول: أنا مؤمنٌ بقلبي، ولكن في الخارج لا يمارس أيّ عمل يدلّ على وجود هذا الإيمان في قلبه، فهذا أمرٌ مستحيلٌ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون[1].

إنّ الإنسان الذي يريد أن يحتفظ بإيمانه يجب أن يمارس إيمانه، ولا يمكن له أن يفصل جانبه المادّيّ عن المعنويّ، فالعمل الخارجيّ يعكس العمل النفسيّ، والعكس بالعكس. فإذا ما مارسنا إيماننا، قمنا بواجبنا”[2].

الهوامش والمصادر

  • [1] سورة الروم، الآية 10.
  • [2] كلمة الإمام السيد موسى الصّدر في مناسبة 15 شعبان في بلدة “اليمونة” بمناسبة ولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى