ثقافة

تحليل دقيق لطول عمر الإمام المهدي

كيف تأتّى للمهديّ هذا العمر الطويل؟

“هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومئة وأربعين سنة، أي حوالي (14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتياديّ الذي يمرّ بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة؟

كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان: الإمكان العمليّ، والإمكان العلميّ، والإمكان المنطقيّ أو الفلسفيّ.

وأقصد بالإمكان العمليّ: أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحقّقه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلى قاع البحر، والصعود إلى القمر، أشياء أصبح لها إمكان عمليّ فعلاً. فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر[1].

وأقصد بالإمكان العلميّ: أنّ هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدينة المعاصرة، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتّجاهاته المتحركة إلى ما يبرّر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إنّ اتّجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك, لأنّ الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر ليس إلاّ فارق درجة، ولا يمثّل الصعود إلى الزهرة إلاّ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلى الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً[2]. وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في كبد السماء فإنّه غير ممكن علمياً، بمعنى أنّ العلم لا أمل له في وقوع ذلك، إذ لا يتصوّر علمياً وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقية من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثّل أتّوناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال إنسان.

وأقصد بالإمكان المنطقيّ أو الفلسفيّ: أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبليّة – أي سابقة على التجربة – ما يبرّر رفض الشيء والحكم باستحالته.

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطقيّ, لأنّ العقل يدرك – قبل أن يمارس أي تجربة – أنّ الثلاثة عدد فرديّ وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي, لأنّ انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً، فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في افتراض أنّ الحرارة لا تتسرّب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وإنّما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرّب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقلّ حرارة إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة.

وهكذا نعرف أنّ الإمكان المنطقيّ أوسع دائرة من الإمكان العلميّ، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العمليّ.

ولا شكّ في أنّ امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً, لأنّ ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أيّ تناقض, لأنّ الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك.

كما لا شكّ أيضاً ولا نقاش في أنّ هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً، على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلك لأنّ العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا يستطيع أن يُمدّد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أنّ أكثر النّاس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.

وأمّا الإمكان العلميّ فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرّر رفض ذلك من الناحية النظرية. وهذا بحث يتّصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجيّ لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان، فهل تعبّر هذه الظاهرة عن قانون طبيعيّ يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه – بعد أن تبلغ قمّة نموّها – أن تتصلّب بالتدريج وتصبح أقلّ كفاءة للاستمرار في العمل، إلى أن تتعطّل في لحظة معيّنة، حتّى لو عزلناها عن تأثير أيّ عامل خارجيّ؟ أو أنّ هذا التصلّب وهذا التناقض في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمّم الذي يتسرّب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثّف، أو ما يقوم به من عمل مكثّف أو أيّ عامل آخر؟

وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه، وهو جادّ في الإجابة عنه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلميّ.

فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتّجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرميّ، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معيّنة، فهذا يعني أنّ بالإمكان نظريّاً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكوّن منها جسم الإنسان عن تلك المؤثّرات المعيّنة، أن تمتدّ بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلّب عليها نهائياً.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى، التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعيّاً للخلايا والأنسجة الحيّة نفسها، بمعنى أنّها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.

أقول: إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فليس معنى هذا عدم افتراض أيّ مرونة في هذا القانون الطبيعيّ، بل هو – على افتراض وجوده – قانون مرن, لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية, ولأنّ العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية، أنّ الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنيّة، قد تأتي مبكّرة، وقد تتأخر ولا تظهر إلاّ في فترة متأخرة، حتّى أنّ الرجل قد يكون طاعناً في السنّ ولكنه يملك أعضاء ليّنة، ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة كما نصّ على ذلك الأطباء. بل إنّ العلماء استطاعوا عمليّاً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعيّ المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرّات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية, وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجّل فاعلية قانون الشيخوخة.

وبهذا يثبت علمياً أنّ تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معيّنة أمر ممكن علمياً، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلى كائن معقّد معيّن كالإنسان، فليس ذلك إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء أخرى. وهذا يعني أنّ العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجّاهاته المتحرّكة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواء فسّرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثّرات خارجية، أو نتاج قانون طبيعيّ للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخّص من ذلك: أنّ طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعدّدة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً، ولكنّه لا يزال غير ممكن عملياً، إلاّ أنّ اتّجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.

وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهديّ عليه الصلاة والسلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ: إنّه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أنّ العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظريّ إلى إمكان عمليّ تدريجاً، لا يبقى للاستغراب محتوىً إلاّ استبعاد أن يسبق المهديّ العلم نفسه، فيتحوّل الإمكان النظريّ إلى إمكان عمليّ في شخصه، قبل أن يصل العلم في تطوّره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.

وإذا كانت المسألة هي أنّه كيف سبق الإسلام – الذي صمّم عمر هذا القائد المنتظر – حركة العلم في مجال هذا التحويل؟

فالجواب: إنّه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم.

أوَليست الشريعة الإسلامية ككلّ قد سبقت حركة العلم والتطوّر الطبيعيّ للفكر الإنسانيّ قروناً عديدة؟[3] أولم تنادِ بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين؟ أولم تأتِ بتشريعات في غاية الحكمة، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلاّ قبل برهة وجيزة من الزمن؟ أولم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان، ثمّ جاء العلم ليثبّتها ويدعمها؟ فإذا كنا نؤمن بهذا كلّه، فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة – سبحانه وتعالى – أن يسبق العلم في تصميم عمر المهديّ؟[4] وأنا هنا لم أتكلم إلاّ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تحدّثنا بها رسالة السماء نفسها.

ومثال ذلك أنّها تخبرنا بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهذا الإسراء[5] إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعيّة، فهو يعبّر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يُتح للعلم أن يحقّقه[6] إلاّ بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية أتاحت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.

نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتّى اليوم في حياة النّاس، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.

ولكن! أوَليس الدور التغييريّ الحاسم الذي أعدّ له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة النّاس، وما مرّ بهم من تطورات التاريخ؟

أوَليس قد أنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاريّ من جديد على أساس الحقّ والعدل؟

فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف، كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإنّ غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد[7] تاريخياً على الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة؟

ولا أدري! هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكلّ منها عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة؟ أحدهما مارس دور في ماضي البشرية وهو النبيّ نوح، الذي نصّ القرآن الكريم[8] على أنّه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدّر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد.

والآخر يمارس دوراً في مستقبل البشرية وهو المهديّ الذي مكث في قومه حتّى الآن أكثر من ألف عام، وسيقدّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.

فلماذا نقبل نوحاً الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهديّ؟[9]

المعجزة والعمر الطويل

وقد عرفنا حتّى الآن أنّ العمر الطويل ممكن علمياً، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علمياً، وأنّ قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم، ولا على خطّها الطويل أن تتغلّب عليه، وتغيّر من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك؟ إنّه يعني أنّ إطالة عمر الإنسان – كنوح أو كالمهديّ – قروناً متعدّدة، هي على خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطّلت قانوناً طبيعياً في حالة معيّنة للحفاظ على حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ على رسالة السماء، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدّة من نصّ القرآن والسنّة[10]، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشدّ صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتّى يتساويا، وقد عطّل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم عليه السلام، حين كان الأسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون. فقيل للنار حين ألقي فيها إبراهيم ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ[11]، فخرج منها كما دخل سليماً لم يصبه أذىً، إلى كثير من القوانين الطبيعية التي عطّلت لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض، فَفُلق البحر لموسى[12]، وشبّه للرومان أنهم قبضوا على عيسى[13] ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلّت ساعات تتربّص به لتهجم عليه، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم[14]. كلّ هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطّلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ على حياته، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.

وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عامّ وهو أنه كلّما توقّف الحفاظ على حياة حجّة لله في الأرض على تعطيل قانون طبيعيّ، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لإنجاز مهمّته التي أعدّ لها، تدخّلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لإنجاز مهمته التي أعدّ لها، وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أعدّ لها ربانياً فإنه سيلقى حتفه ويموت أو يستشهد وفقاً لما تقرّره القوانين الطبيعية.

ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي: كيف يمكن أن يتعطّل القانون؟[15] وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية؟ وهل هذه إلاّ مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي، وحدّد هذه العلاقة الضرورية على أسس تجريبية واستقرائية؟

والجواب: أنّ العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعيّ، وتوضيح ذلك: إنّ القوانين الطبيعية يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطّرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخرى يستدلّ بهذا الاطّراد على قانون طبيعيّ، وهو أنّه كلّما وجدت الظاهرة الأولى وجدت الظاهرة الثانية عقيبها، غير أنّ العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعيّ علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها، وصميم تلك وذاتها, لأنّ الضرورة حالة غيبية، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي إثباتها، ولهذا فإنّ منطق العلم الحديث يؤكد أنّ القانون الطبيعيّ – كما يعرّفه العلم – لا يتحدّث عن علاقة ضرورية، بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين[16]، فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتين عن الأخرى في قانون طبيعيّ لم يكن ذلك فصماً لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين.

والحقيقة أنّ المعجزة بمفهومها الدينيّ، قد أصبحت في ضوء المنطق العلميّ الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظلّ وجهة النظر الكلاسيكية إلى علاقات السببيّة.

فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أنّ كلّ ظاهرتين اطّرد اقتران إحداهما بالأخرى فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أنّ من المستحيل أن تنفصل إحدى الظاهرتين عن الأخرى، ولكن هذه العلاقة تحوّلت في منطق العلم الحديث إلى قانون الاقتران أو التتابع المطّرد[17] بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبيّة.

وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطّراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدّي إلى استحالة.

وأما على ضوء الأسس المنطقية للاستقراء[18]، فنحن نتّفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة، في أنّ الاستقراء لا يبرهن على علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكنّا نرى أنّه يدلّ على وجود تفسير مشترك لا اطّراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته على أساس افتراض الضرورة الذاتية، كذلك يمكن صياغته على أساس افتراض حكمة دعت منظّم الكون إلى ربط ظواهر معيّنة بظواهر أخرى باستمرار، وهذه الحكمة نفسها تدعو أحياناً إلى الاستثناء فتحدث المعجزة.

العلم وعمر الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف

يعالج العلامة الشهيد الشيخ مرتضى مطهريّ قدس سره مسألة طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من حيث علاقة طول العمر بالقوانين العلمية التي تجري على البشر فيقول قدس سره: “عندما يطرح موضوع الإمام الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنّ كثيراً من النّاس يتساءلون: هل من الممكن أن يعمّر الإنسان ألفاً ومائتي سنة؟ أليس ذلك مخالفاً لقانون الطبيعة؟

إنَّ هؤلاء يتصوّرون أنّ كلّ الأمور التي تحدث في هذه الدنيا تنطبق مائة بالمائة مع قوانين الطبيعة الاعتياديّة أي مع تلك القوانين التي توصّل إليها علم البشر.. في حين أنّ جميع التطوّرات الكبرى التي حدثت في تأريخ حياة جميع الموجودات الحيّة – من نبات وحيوان – لم تكن تطوّرات عاديّة. فهل أنّ انعقاد أوّل نطفة للحياة على وجه الأرض يتطابق مع أصول علم الحياة؟ كلّا، فلم يكن ذلك متطابقاً مع أي قانون طبيعيّ في الأرض.

واستناداً إلى النظريات العلمية المعتبرة اليوم فإنّ عمر أرضنا هذه يقدر بحوالي أربعين مليارداً من السنين، حيث كانت الأرض في بداية أمرها كتلة منصهرة ملتهبة يستحيل على أيّ كائن حيّ أن يعيش فيها. ثمّ مرّت ملياردات عديدة من السنين حتّى بردت هذه الكتلة وظهر على سطحها أول موجود حيّ.

والعلم اليوم يقرّر بأنّ أيّ كائن حيّ لا بدّ أن يتولّد أو ينشأ من كائن حيّ آخر، ولا يمكن أن يوجد كائن حيّ من كائن غير حيّ أبداً، إلّا أنّه لم يستطع إلى الآن أن يفسّر كيف وجد أوّل كائن حيّ على وجه الأرض، وكيف انعقدت أوّل نطفة للحياة فيها.

وعندما يتجاوز العلم هذه النقطة، فإنّه يقع في الحيرة مرّة أخرى.. ذلك أنّ العلم يقرّر بأنّ أوّل خلية حيّة وجدت على وجه الأرض أخذت تنقسم وتتكاثر وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة في التكامل والتطوّر إلى أن جاء وقت تشعبت فيه إلى فرعين رئيسين، ونشأت من ذلك المملكة النباتية والمملكة الحيوانيّة.. فكيف حصل هذا التطوّر الكبير الذي أدّى إلى أن تنقسم الخلايا البدائيّة الأولى إلى فرع نباتي وفرع حيواني يكمّل واحد منهما الآخر خصوصاً من ناحية امتصاص وإطلاق الغازات الموجودة في الجوّ؟؟

وهكذا يواصل العلم حيرته في المراحل الأخرى – وخصوصاً في المرحلة التي وجد فيها الإنسان، ذلك المخلوق العجيب الذي يتمتّع بالعقل والفكر والإرادة – ويبقى عاجزاً عن إعطاء تفسيرات مقنعة لكلّ هذه الأحداث.

ثمّ هل أنّ مسألة الوحي مثلاً أمر عاديّ لا يلفت النظر؟

هل أنّ مسألة وصول إنسان ما إلى درجة يكون مستعداً فيها لاستلام تعليمات آتية من عالم ما وراء الطبيعة، أقلّ شأناً من مسألة بقاء فرد من الأفراد حيّاً لمدة ألف ومائتي سنة أو أكثر من ذلك؟

كلّا، بل يمكننا القول بأنّ مسألة طول عمر الإنسان شيء طبيعيّ لا يخرج عن دائرة القوانين الطبيعيّة، بدليل أنّ العلم يسعى اليوم إلى ابتكار وسائل أو عقاقير تزيد في معدّل عمر الإنسان. فقانون الطبيعة لم يحدّد رقماً معيناً لحياة الإنسان على وجه الأرض.. صحيح أنّ خلايا بدن الإنسان لها دورة حياتية محدودة، ولكن هذا لا يكون إلا في ظروف معيّنة، وإذا اكتشف العلم في المستقبل العلاقة العلمية بين الظروف المحيطة، ومدة دورة حياة خلايا الجسم الإنسانيّ، فلا يستبعد أن يتمكّن الإنسان آنئذٍ أن يعيش خمسمائة سنة أو ألف سنة وربّما أكثر!

أضف إلى ذلك أنّ الله سبحانه وتعالى قد بيّن عبر الكثير من آياته الكونيّة بأنّ هناك أشياء تحدث في هذه الدنيا وفي بعض المراحل المعيّنة، ويكون ذلك أشبه شيء بيد تخرج من وراء الغيب فتحدث تطوّرات خارقة في الحياة لا تنطبق مع قانون الطبيعة أصلاً ولا يمكن التنبؤ بها مسبقاً..

فسواء درسنا المسألة من الناحية العلمية أم من الناحية الغيبيّة، فإنّ موضوع طول عمر صاحب الزَّمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يحتاج إلى أيّ تشكيك أو ارتياب، خصوصاً بعد أن صرّحت الأحاديث والروايات الدينيّة بذلك. إنّ إحدى وظائف الدين هي أن يفتّح عقل الإنسان ويخرج تفكيره من الدائرة الضيّقة للأحداث العادية المألوفة التي يراها في حياته اليوميّة”[19].

إثبات طول عمره من حيث كونه حجّة

نسمعهم أحياناً يقولون: “لولا الإمام” أو “لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها“. وفي ذلك أقول: إذا صحّ هذا الحديث فمعنى الحجّة فيه كتاب الله. فلو لم تكن بين النّاس مثل هذه الحجة الإلهية لانتهى وجود الخليفة لانتفاء الغاية من وجودها. فالغاية من وجود النّاس هي الهداية والتكامل، فإذا انقطع سبيل الهداية بانتفاء وجود كتاب الله الذي هو حجة الله على الخلق، لانتفى الغرض من الوجود واختفت الخليفة.

أما إذا كان المراد من الحجة في الحديث هو الإمام الغائب، فلا أدري ما هي الهداية المرجوة للناس مع اختفائه، حتى تسيخ الأرض بأهلها مع عدم وجوده وينهار الوجود؟”.

الجواب: هذا الإشكال مشترك كسابقه، بحيث يرتدّ بنفسه على الكاتب. فلو كان معنى الحديث أنّ “الحجة” تحفظ من يؤمن ويتمسك بها، فلن يكون ثمة فرق في أن تتجلى هذه “الحجة” بالإمام الغائب أو بالقرآن أو بأي كتاب سماوي.

وهنا نصل إلى ما ذكره الكاتب في رسالته، حيث قال: لو كانت “الحجة” ماثلة في الحدث بالإمام الغائب، لكان هذا الإمام حَرس أهل خراسان وقزوين من الزلزلة المدمّرة التي أصابتهم وحفظهم من غائلتها خصوصاً وهو من مؤيديه والمؤمنين به!

في جوابه نقول تأسيساً على ما ذكرناه قبل لحظة: لو كان القرآن الكريم هو المقصود بالحجة في الحديث لوجب أن يحرس أهل الأرض، ويحفظ أهل خراسان وقزوين من بلاء الزلزلة، خصوصاً ونحن نعلم يقيناً أن في بيوت هؤلاء ساعة وقوع الزلزلة مئات بل آلاف من نسخ القرآن الكريم، ولكن مع ذلك انهارت المنازل وتهدمت على ساكنيها دون أن يحرسهم حجة الله – القرآن الكريم – وهم في بيوتهم!

وهكذا يتّضح أن “ساخت الأرض بأهلها” هو كناية عن انقراضٍ كامل لبني النوع البشري وفناء بساط الإنسانية. والطريف أن هذا التفسير هو الذي اعتمده الكاتب أولاً، بيد أنه غفل عنه فيما بعد[20].

الهوامش والمصادر

  • [1] ولم تكن مثل هذه الأمور بمتصوّرة سابقاً قبل وقوعها، ولو حدّث بها أحدٌ من النّاس قبل تحقّقها فعلاً لعدّ الحديث مجرّد تخيّلات وأوهام.
  • [2] الكلام في وقته دقيق علميّاً، فهو يقول: إنه ممكن علمياً، ولكنه لم يكن قد تحقّق فعلاً، والواقع أنّ كثيراً من الإنجازات في عالم الفضاء، وتسيير المركبات الفضائية إلى كواكب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبح حقائق في أواخر القرن العشرين.
  • [3] هذه التساؤلات التي يثيرها السيد الشهيد صلى الله عليه وآله وسلم تهدف إلى ترسيخ حقيقة مهمة، هي أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عندما بشّر (بالمهديّ)، وهو حالة غير اعتيادية في سياق البشرية، تنبئ في جملتها عن تسجيل سبق في الإمكانية العملية، بعد تأكيد الإمكانيّة العلمية، أي لبقاء الإنسان مدةً أطول بكثير من المعتاد، فإنّ مثل هذا السبق في التنبيه على حقائق في هذا الوجود كان قد سجّله القرآن الكريم والحديث الشريف في موارد كثيرة جداً في مسائل الطبيعة والكون والحياة، راجع: القرآن والعلم الحديث، الدكتور عبد الرزاق نوفل.
  • [4] إشارة إلى أنّ هذا من قبيل الإعجاز أيضاً، وهو إفاضة ربانية خاصة، وهذا أمر لا يسع المسلم إنكاره، بعد أن أخبرت بأمثاله الكتب السماوية، وبالأخص القرآن، كالذي ورد في شأن عمر النبيّ نوح عليه السلام، وكذا ما أخبر به القرآن من المغيبات الأخرى، على أنّ كثيراً من أهل السنّة ومن المتصوّفة وأهل العرفان يؤمنون بوقوع الكرامات وما يشبه المعجزات للأولياء والصلحاء والمقرّبين من حضرة المولى تعالى.راجع: التصوّف والكرامات، الشيخ محمد جواد مغنيّة.وراجع: التاج الجامع للأصول 5: 228، كتاب الزهد والرقائق، الذين تكلّموا في المهد.
  • [5] إشارة إلى الآية المباركة: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾ سورة الإسراء، الآية: 1.
  • [6] إشارة إلى تصميم المركبات الفضائية، وركوب الفضاء والتوغّل إلى مسافات بعيدة عن أرضنا، وقطعها في ساعات أو أيام معدودة، وقد أضحت هذه حقائق في حياتنا المعاصرة في أواخر القرن العشرين.
  • [7] إشارة إلى ما أعدّ للإمام المهديّ المنتظر من دور ومهمة تغييرية على مستوى الوجود الإنساني برمّته كما يشير الحديث الصحيح: “يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً”. وهذا الدور وهذه المهمة عليهما الإجماع بين علماء الإسلام، والاختلاف حصل في أمور فرعية. ومن هنا كان التساؤل الذي أثاره السيد الشهيد رضوان الله عليه له مبرر منطقي قويّ.
  • [8] في الآية المباركة: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ سورة العنكبوت: الآية 14.
  • [9] السؤال موجّه إلى المسلمين المؤمنين بالقرآن الكريم وبالحديث النبوي الشريف، وقد روى علماء السنّة لغير نوح ما هو أكثر من ذلك.راجع تهذيب الأسماء واللغات، النووي، ج1، ص176، ولا يصحّ أن يشكّل أحدٌ بأنّ ذاك أخبر به القرآن فالنص قطعيّ الثبوت، وهو يتعلق بالنبيّ المرسل نوح عليه السلام، أما هنا فليس لدينا نص قطعي، ولا الأمر متعلق بنبيّ.

والجواب: أنّ المهمة أولاً واحدة، وهي تغيير الظلم والفساد، وأنّ الوظيفة كما أوكلت إلى النبيّ، فقد أوكلت هنا إلى من اختاره الله تعالى أيضاً، كما هو لسان الروايات الصحيحة.قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: “لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم الطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً”، التاج الجامع للأصول، ج5، ص343.

وأما من جهة قطعيّة النص، فأحاديث المهديّ بلغت حدّ االتواتر، وهو موجب للقطع والعلم، فلا فرق في المقامين، راجع: التاج الجامع للأصول ج5، ص341 و360 فقد نقل التواتر عن الشوكاني، وانتهى المحقّقون من علماء الفريقين إلى القول بأنّ من كفر بالمهديّ فقد كفر بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وليس ذلك إلاّ بلحاظ أنه ثبت بالتواتر، وأنه من ضرورات الدين، والمنكر لذلك كافر إجماعاً. وراجع: الإشاعة لأشراط الساعة، البرزنجي في بحثه حول المهديّ.وقد نقلنا حكاية التواتر في المقدّمة أيضاً.

  • [10] أي أنّ الأمر يصبح من قبيل المعجز، وهو ما نطق به القرآن، وجاء في صحيح السنّة المطهّرة، والإعجاز حقيقة رافقت دعوة الأنبياء، وادّعاء سفارتهم عن الحضرة الإلهيّة، وهو ما لا يسع المسلم إنكاره أو الشك فيه، بل إنّ غير المسلم يشارك المسلم في الاعتقاد بالمعجزات.
  • [11] سورة الأنبياء، الآية: 69.
  • [12] إشارة إلى قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ سورة الشعراء، الآية 63.
  • [13] إشارة إلى قوله تعالى:  ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾ سورة النساء: الآية 157.
  • [14] راجع: سيرة ابن هشام، ج2، ص127، فقد نقل هذه الحادثة وهي مجمعٌ عليها.
  • [15] قد يقال: إنّ القانون بصفته قانوناً لا بدّ يطّرد، ولا يتصور التعطيل والانخرام، وقد لا حظ بعضهم أنّ الانخرام إنّما هو بقانون آخر، كما هو الأمر بالنسبة إلى قانون الجاذبية، الذي يستلزم جذب الأشياء إلى المركز، ومع ذلك فإنّ الماء يصعد بعملية الامتصاص في النباتات من الجذر إلى الأعلى بواسطة الشعيرات، وهذا بحسب قانون آخر هو (الخاصيّة الشعريّة).راجع: القرآن محاولة لفهم عصري، الدكتور مصطفى محمود.
  • [16] وقد بسط الشهيد الصدر قدس سره القول في هذه المسألة في كتابه فلسفتنا فراجع، ص295 و299.
  • [17] راجع: فلسفتنا ص282 وما بعدها.
  • [18] راجع بسط وشرح النظرية في “الأسس المنطقية للاستقراء” حيث توصّل الإمام الشهيد الصدر قدس سره إلى اكتشاف مهمّ وخطير على صعيد نظرية المعرفة بشكل عام.
  • [19] العلامة الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، أصالة الروح، ص212-214.
  • [20] العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره، مقالات تأسيسية، ص268-269.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى