ثقافة
ترند

لماذا لم يذكر اسم الإمام المهدي في القرآن الكريم؟

“لماذا لم يرد ذكر أو اسم لهذا الإمام الغائب في القرآن الكريم؟ وهل ما ذكره القرآن تفصيلاً من شأن رجال مضوا كلقمان وذي القرنين مرّت عليهم مئات السنين هو أهمّ شأناً من ذكر إمام عظيم غاب عن المسلمين وهم يتطلعون لظهور دولته ليلاً ونهاراً؟ ثمّ هل يقوم منهج الهداية في القرآن على ذكر أشياء ذات شأن ضئيل ويهمل ذكر أمور أهم؟ وهل يليق بمقام الكتاب أن يوضح أموراً عادية على نحوٍ مفصّل ويصمت تماماً عن أمور أساسية؟”.

الجواب: ثمة آيات قرآنية كثيرة إذا جمعت إلى بعضها البعض أو تدبّرنا بها جيداً، يوفّر لنا مدلولها فهماً لخصوصيات ظهور الإمام الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف. نظير ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ[1].

وقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا[2].

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[3].

وقوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ[4].

إنّ حاصل الجمع بين هذه الآيات وغيرها يدلّ على المعنى.

وقد جاء في كتاب الاحتجاج للطبرسي في جواب الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام عن شبهة مماثلة أنّ الله (سبحانه) لو ذكر الأئمة عليهم السلام صراحة في القرآن الكريم، لسعى أعداء أهل البيت عليهم السلام لإسقاط ذلك بكلّ وسيلة، ما يجعل كتاب الله عُرضة للتحريف.

ولأنّ الله (عزّ اسمه) وعد صراحة بحفظ القرآن وصيانته من التحريف، فقد جاءت مسألة الإمام مبثوثة في ثنايا الكتاب، ولم تذكر صراحة، وهي بذلك بحاجة إلى تدبّر في الآيات لاستظهارها.

ومع ذلك فإنّ الإشكال بنفسه يرجع إلى الكاتب نفسه. فعدم ذكر الإمام الغائب صراحة في القرآن لا يقتصر عليه وحده، وإنما يعمّ جميع الأئمة، وحينئذٍ سيكون السؤال: لماذا لم يأت ذكر معيّن وصريح للإمامة رغم ما ينطوي عليه الموضوع من أهمية آثاره خطيرة؟

يعرف الجميع أنّ العالم الإسلاميّ انشقّ أثر قضية الإمامة إلى سنّة وشيعة، وكان لهذا الاختلاف بين الفريقين آثاره المرّة، أفلم يكن يحسن بالقرآن صوناً للأمة من الدماء التي أُريقت والفتن التي اشتعلت والضربات التي أحاطت مسيرة الإسلام، أن يذكر صراحة أنّ الإمامة ليست انتخاباً من الله؟

ليس هذا وحده وحسب، بل ألم ينبغِ للنبيّ الأكرم أن تتضمّن سُنّته ما ينفي أن تكون الإمامة أمراً منصوصاً عليه من قبل الله بواسطة النبيّ؟

وإذ نعرف أنّ القرآن والسنّة لم يفعلا ذلك صراحة، وأنّ ليس فيهما ما ينفي أن تكون الإمامة نصاً وانتخاباً من قبل الله، فإنّ الإشكال حينئذٍ سيكون مشتركاً ويرتدّ إلى الكاتب نفسه، حيث يستوي الأمر بين النفي والإثبات.

وإلّا هل يمكن أن نتصوّر أنَّ أهمية نفي الخلافة (الإمامة) القائمة على النصّ والانتخاب الإلهيّ أقلّ شأناً من إثباتها في كتاب الله، هذا على فرض صحة النفي ومشروعيته؟

ثمّ إذا أردنا أن نساير الطريقة التي يفكّر بها الكاتب ألا يحقّ له أن يدّعي أنّ الخليفة الأوّل كان أعقل – معاذ الله – من الله ورسوله حين ثبت في وصيته أن تؤول الخلافة إلى الخليفة الثاني دون أن تخضع لانتخاب النّاس ورأيهم, وبالتالي أمن النّاس من الاختلاف حيث لم يقع أيّ خلاف في خلافة عمر، بينما انتهى سكوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – على افتراض وقوع هذا السكوت – إلى اشتعال أوار الفتنة بين أمته؟

نخلص ممّا ذكر إلى أنّ بيان نفي أو إثبات الخلافة (الإمامة) القائمة على النص والانتخاب الإلهيّ صراحة في القرآن يستوي في الأهمية بين الطرفين، وبذلك لا يصحّ الإيراد على جهة الإثبات دون جهة النفي، وإنّما الإشكال مشترك وارد على الجهتين.

الهوامش والمصادر

  • [1] سورة المائدة، الآية 54.
  • [2] سورة النور، الآية 55.
  • [3] سورة الأنبياء، الآية 105.
  • [4] سورة الصف، الآية 9.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى