ثقافة

قضيّة المهدويّة عند الشّيعة

“إنّ أصل المهدويّة هو محلّ اتّفاق جميع المسلمين. وفي عقائد الأديان الأخرى، يوجد أيضاً انتظار المنجي في نهاية الزَّمان. فقد فهموا هذا المطلب أيضاً بنحوٍ صحيح في بُعدٍ من أبعاد القضيّة، ولكن في البُعد الأساسيّ المتعلّق بتحديد ومعرفة الشخص المنجي، ابتُلوا بنقص المعرفة. والشّيعة يعرفون
المنجي بالاسم والعلامة والخصائص وتاريخ الولادة، من خلال الأخبار المسلّمة والقطعيّة عندهم.

إنّ خصوصية اعتقادنا نحن الشّيعة هي أنّنا قد بدّلنا هذه الحقيقة في مذهب التشيّع من حالة الأُمنية أو الأمر الذهنيّ المحض، إلى حالة واقعيّة موجودة. الحقيقة هي أنّ الشّيعة عندما ينتظرون المهديّ الموعود فإنّهم ينتظرون اليد المنجية تلك، ولا يغوصون في عالم الذهنيّات بل يبحثون عن واقعيّة وهي موجودة. وحجّة الله حيٌّ بين النّاس وموجودٌ ويعيش في ما بينهم ويرى النّاس وهو معهم، ويشعر بآلامهم وأسقامهم. وأصحاب السعادة والاستعداد يزورونه في بعض الأحيان بصورة خفيّة. إنّه موجودٌ، هو إنسانٌ واقعيّ مشخّص باسمٍ معيّن، له أبٌ وأمّ محدّدان وهو بين النّاس ويعيش معهم.

خصوصيّة عقيدة الشّيعة:

أولئك الّذين لا يقبلون هذه العقيدة من المذاهب الأخرى، لم يتمكّنوا في أيّ وقتٍ من إقامة أيّ دليلٍ يقبل به العقل لردّ هذه الفكرة وهذه الواقعيّة. فجميع الأدلّة الواضحة والراسخة، الّتي يصدقّها الكثير من أهل السنّة أيضاً، تحكي بصورة قاطعة ويقينيّة عن وجود هذا الإنسان العظيم، هو حجّة الله، وهو الحقيقة الواضحة والساطعة ـ بتلك الخصائص الّتي نعرفها، أنا وأنتم تشاهدون هذه الأمور في العديد من المصادر غير الشّيعيّة.

فالابن المبارك والمطهّر للإمام الحسن العسكريّ عليه الصلاة والسلام، معروفٌ تاريخ ولادته، ومن أهله وأصحابه ومعجزاته، وقد منحه الله عمراً طويلاً، ويفعل ذلك. وهو تجسيدٌ لتلك الأمنية الكبرى، لجميع أمم العالم، وقبائله وأديانه وأعراقه عبر جميع العصور. هذه هي خصوصيّة مذهب الشّيعة بشأن هذه القضيّة المهمّة.

إنّ الوجود المقدّس لحضرة بقيّة الله أرواحنا فداه، هو عبارة عن استمرار النبوّات والدعوات الإلهية منذ بداية التاريخ وإلى يومنا هذا، أي كما تقرؤون في دعاء النّدبة من: “وبعضهم أسكنتهم جنّتك”، الّذي هو آدم، وإلى: “أن انتهيت بالأمر”، أي الوصول إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم, ومن بعدها قضيّة الوصيّة وأهل بيت هذا النبيّ العظيم

إلى أن يصل الأمر إلى إمام الزَّمان، فالجميع عبارةٌ عن سلسلةٍ متَّصلَةٍ ومرتبطة ببعضها في تاريخ البشريّة. وهذا بمعنى أنّ تلك الحركة العظيمة للنبوّات وتلك الدعوات الإلهيّة بواسطة الرّسل، لم تتوقّف في أيّ مقطعٍ من الزَّمان. فالبشريّة تحتاج إلى الأنبياء والدعوات الإلهيّة، والدُعاة الإلهيين، وهذا الاحتياج باقٍ إلى يومنا هذا، وكلّما مرّ الزَّمان فإنّ البشر يصبحون أقرب إلى تعاليم الأنبياء.

لقد أدرك المجتمع البشريّ اليوم من خلال التقدّم الفكريّ والمدنيّة والمعرفة، الكثير من تعاليم الأنبياء ـ والّتي لم تكن قابلة للإدراك من قبل البشر قبل عشرات القرون من هذا ـ فقضيّة العدالة هذه، وقضيّة الحريّة، وكرامة الإنسان، وهذه الألفاظ الرائجة في العالم اليوم، هي كلماتُ الأنبياء. في ذلك الزمن، لم يدرك عامّة النّاس والرأي العامّ هذه المفاهيم. وبتبع مجيء الأنبياء وانتشار دعوتهم، غُرست هذه الأفكار في أذهان النّاس وفي فطرتهم وفي قلوبهم جيلاً بعد جيل. فالدّعاة الإلهيّون أولئك لم تنقطع سلالتهم اليوم، والوجود المقدّس لبقيّة الله الأعظم أرواحنا فداه، هو استمرار سلالة الدعاة الإلهيّين حيث تقرأون في زيارة آل ياسين: “السلام عليك يا داعي الله وربّانيّ آياته”. أي أنّكم اليوم ترون تجسيداً لدعوة إبراهيم ودعوة موسى، ودعوة عيسى، ودعوة جميع الأنبياء والمصلحين الإلهيين ودعوة النبيّ الخاتم في وجود حضرة بقيّة الله. فهذا الإنسان العظيم هو وارثهم جميعاً، وبيده دعوتهم ورايتهم جميعاً،
وهو يدعو البشريّة ويعرض عليها تلك المعارف الّتي جاء بها الأنبياء عبر الزَّمان الممتدّ. هذه هي نقطةٌ مهمّة”[1].

الهوامش والمصادر

  1. الإمام القائد الخامنئي، السيد علي: إنسان بعمر 250 سنة، ص371- 373، مركز نون للتأليف والترجمة (إعداد وترجمة)، بيروت، جمعية المعارف الإسلامية (نشر)، 2013م، ط1.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى