ثقافة

التقية أو المواجهة في ميزان نهج الإمام الخميني

التعامل مع السلطة في عصر الغيبة

أو نستطيع أن نقول: التعامل مع السلطة أو مواجهة السلطة في عصر الغيبة في رؤية الإمام الراحل +، وما هي الأدلة وما هي المرتكزات.

طبعاً، التبرير للتعامل مع السلطة هو عنوان التقية، فـ “التقية ديني ودين آبائي” و “من لا تقية له لا دين له” وعصر غيبة الإمام عصر الهدنة مع السلطة.

وأمّا عنوان المواجهة، فالمصطلح في منظومة المعارف الإسلامية ومعارف أهل البيت e  وفي الفقه الإسلامي هو مصطلح “الجهاد في سبيل الله”.

  • فنحن بين التقية والجهاد، أيهما نختار؟ وكيف نستطيع أن نجمع؟

ربما البعض يقول: إنّ الجهاد الابتدائي في عصر غيبة الإمام غير جائز حسب المشهور في فقه الشيعة، بل إنّه محرّم، فيبقى الجهاد الدفاعي وهو ينسجم تماماً مع عنوان التقيّة؛ لأنّ التقية تعني التعامل، والجهاد الدفاعي يشرّع إذا هَجَمَ عليك العدو، وأنت من خلال التقية تجامله وتكسب ودّه من أجل المصالح العليا ولذلك قيل: إن عصر الغيبة هو عصر الهدنة مع السلطة إلى أن يأتي الوقت لظهور الحجة.

 كانت الحوزة – في الخمسينات والستينات –  تبرر المسألة هكذا إلى أن ظهر الإمام الراحل في الساحة وشرح التقيّة بأسلوب آخر وشرح فكرة الجهاد وفق المنظومة المعرفية للإسلام المحمدي الأصيل، وإن كان هو على حد بحثه في تحرير الوسيلة من القائلين بعدم جواز الجهاد الابتدائي في عصر غيبة الإمام، وكذا في كتاب البيع في مبحث ولاية الفقيه ذكر أنه (وإن كان فيه بحث وتأمل).

وبعدما أرسل رسالة إلى کرباتشوف قبل انهيار الاتحاد السوفيتي ودعاه إلى الله، ومن خلال رسائل الإمام الراحل في السنة الأخيرة من حياته الشريفة ربما نظّر للجهاد وفق المنظومة المعرفيّة الإسلاميّة بشكلٍ حيث يمكن أن يكون خيار المواجهة هو من أساسيات الفكر الإسلامي في منظومة فكر الإمام حتى لو لم نقل بالاجتهاد الابتدائي الذي له شرحه.

هل للإسلام مشروع لإدارة الحياة؟

قبل أن نتحدث حول أن الإسلام هل يتبنى التقية أو المواجهة، لابُدّ من إطلالة حول المشروع الإسلامي، فهل  لدى الإسلام مشروع لإدارة الإنسان والحياة يريد أن يقدمه أو ليس له مشروع؟

ثم أن هذا المشروع هل من المعقول أن يتعطّل إلى أن يظهر الحجة والأمّة تغيب عن العمل بالتكليف كما الإمام المهدي غائب، أو أن الأمة من خلال العمل بالتكليف ينبغي أن تمهّد لظهور الإمام وتهيئ الأمر.

فالحديث عن المشروع الإسلامي في الفكر الإمامي هو حديث مهمّ من خلاله نستطيع أن نعرف العلاقة بين التقية والجهاد ودور كل منهما.

  • فما هو مشروع الإسلام؟  وهل يملك الإسلام مشروعاً أو لا؟

نعم، إنّ مشروع الإسلام المحمدي الأصيل لا يختص بعصرٍ دون عصر وبمكان دون مكان، وقد انطلق هذا المشروع منذ الفجر الأول لبزوغ الإسلام بعد بعثة النبي الأكرم ’، ثم مرّ بمراحل، فقد بدأ بخطاب: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} ثم جاء الخطاب الإلهي {يا أيها المدّثر قم فأنذر}، فتشكّلت النواة الأساس لحمل الرسالة الإلهية من الرسول الأقدس وأمير المؤمنين وخديجة الكبرى، وبعد ذلك بدأت الدعوة السرية لمدة ثلاث سنوات لتربية الكوادر التي تحمل الرسالة من الحفاة والمستضعفين والمضطهدين، وآمن في تلك السنوات أربعون ونيف، وبعد ذلك جاء الخطاب الإلهي {وأنذر عشيرتك الأقربين} {أصدع بما تأمر}، ثم جاء حديث الدار حيث جمع عشيرته وأعمامه– ولست هنا لأعرض السيرة وإنما لهدف أذكره- وقد ذكر المشروع لهم.

والمشروع ليس فقط (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) بل ذكر مشروعاً عالمياً لإنقاذ العالم، وتحقيق الحياة الطيبة، فقال لهم (أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين على الميزان تنقاد لكم بهما الأمم) فالهدف هو نشر هذا المشروع بالعالم (وتملكون بهما العرب والعجم) أي تكون لكم الكلمة الأولى (أن تقولوا لا إله الله وأني أي محمد رسول الله).

ولم يكتفِ بهذا المقدار بعد ردّ أبي جهل وغيره، بل قال (أيكم يؤازرني على هذا الأمر) فأخذ يفكر بالقيادة المستقبلية للأمّة، فمن هو مستعد ليتصدى للقيادة المستقبلية للمشروع (على أن يكون خليفتي ووصيي ووزيري من بعد) ثلاث مرات يجيبه الإمام علي × وهو في عنفوان صباه فيرفع يده ويقول (أنا يا رسول الله) فأشار له وقال (أن هذا أخي ووصي ووزيري من بعدي ألا فاسمعوا له وأطيعوا)، فشخّص القائد المستقبلي.

فليست الدعوة مجرّد دعوة عقيدة وصراع مع قريش انتهى بفتح مكة، بل يوجد هناك مشروع، وهذا المشروع له فكر وله قيادة وله كوادر، وله جمهور وبيئة وخطوات حركية، بدأ بخطاب (اقرأ) واستمر بتربية الكوادر، ثم الدعوة العلنيّة ثم الضغوط والتهديد والتطميع والتزوير والعرقلة أمام المسير من طغاة قريش واضطهاد المستضعفين ليردوهم عن دينهم إن استطاعوا.

أمثال ياسر وسمية استشهدا تحت التعذيب، وبلال قاوم بقول (أحد، أحد) تحت الصخر، وأمّا عمّار فقد خرجت منه كلمة قال الله عنها {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}، وهذه الآية صارت عنوان وأساس للتقية، وشرّعت التقية.

فالتقية شرّعت كآلية للوقاية وللحفاظ من الضرر لإكمال المسيرة والوصول إلى المشروع وتحقيق أهداف المشروع وفي مسير المقاومة الإسلامية الكبيرة.

ثم جاءت الهجرة إلى الحبشة ثم بيعة العقبة الأولى والثانية ثم أيضاً تربية الكوادر عن طريق النقباء فذهبوا إلى المدينة واستعدوا لبناء المجتمع الإسلامي الجديد ومعالم دولة المدينة، هاجر الرسول الأقدس’ ليشكل دولة المدينة.

مرتكزات دولة المدينة

وأما مرتكزات دولة المدينة:

  • أولاً: المسجد ومحورية المسجد.
  • ثانياً: المؤاخاة على أساس الإيمان بالله والرسول، والولاء لله بدل الولاء للقبيلة أو ما تسمى بالأوطان، فالولاء لله ولرسول الله وللرسالة.
  • ثالثاً: ميثاق المدينة أو ما عرف بدستور الدولة الإسلامية (دستور المدينة).

 وهذا الميثاق هو الموجود في السير، وهو ميثاق بين المسلمين وبين العرب المشركين في المدينة وبين اليهود (يهود بني قريضة، وبني قينقاع وبني النظير).

  • رابعاً: الحفاظ على هذه الدولة الفتيّة دولة الإسلام والإذن بالدفاع عن طريق تشريع الجهاد {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا  وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.

ثم استمرت القضية حتى فتح مكة وتحقيق الانتصار الإلهي الكبير وبالنهاية حديث الثقلين وحديث الغدير وخطبة حجة الوداع وإكمال المشوار بالنسبة للمستقبل حتى يستمر الإسلام.

هذا المشروع النبوي والحركة النبوية، إذا أريد الحديث فيها عن التقية، فإن التقية في العهد النبوي لم تشرّع للحيلولة والصد عن سبيل الله وعن الاستمرار بالمشروع الإلهي، بل هي شرعت كآلية ووسيلة للحفظ على هذا المشروع.

وإذا أردنا ذكر مجموعة من الأهداف التي أرادها هذا المشروع الإسلام العظيم؛ فمنها: تحقيق الأمن والنظام العام، والعيش الهنيئ والعدل والعبادة والهداية والقرب إلى الله.

وإذا أردنا أن نستخدم المصطلحات الحديثية، فسنقول: صناعة الحضارة الإنسانية على ضوء منظومة الإيمان والعمل الصالح وبناء المجتمع الجديد، مجتمع الأمة والإمام.

هذا المشروع ليس خاص في زمن رسول الله’، بل يمتد بامتداد الحضارة الإسلامية.

كيف انتصر هذا المشروع؟

والسؤال: كيف انتصر هذا المشروع؟

الجواب: انتصر بسبب وجود خمسة عناصر:

  1. أولاً: المنظومة الفكرية للإسلام الأصيل الذي بيّن معالمه رسول الله بواسطة الوحي، وما يرسمه للأمة.
  2. ثانياً: القيادة الربانية الإلهية المتمثلة بشخصية الرسول الأكرم ’ بحسب عنوان الولاية الإلهية وكونه وليّاً للمسملين.
  3. ثالثاً: الكوادر ونقصد بهم نخبة المهاجرين والأنصار.
  4. رابعاً: الجمهور والأمّة التي تحتضن هذا المشروع وعنوانهم العام (المؤمنون).
  5. خامساً: الصبر، والمقاومة والمضي قدماً حتى تحقيق هذا المشروع {الَّذينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقاموا}.

انتصر الإسلام بالجهاد في سبيل الله وبقيادة الرسول الأكرم وبالفكر الإسلامي وبالحضور الفاعل الواعي للأمّة المؤمنة وبالصبر والاستقامة.

التقيّة في هذا المشروع هي آلية للحفاظ على الإسلام وكانت كما قلنا.

ومن بعد حَصَلَ انحراف مبكر في عناصر الانتصار، والنظام الاجتماعي السائد تغلب على النظام الولائي، وبالنهاية هذا الانحراف الذي بدأ مبكراً من خلال جذور النظام الاجتماعي القبلي الذي كان سائداً آنذاك، وهذا الانحراف بالنهاية أثّر على النخبة والخواص وفي فترة وجيزة حوّل الحكم الإسلامي من حكم ولائي إلى نظام اجتماعي يقوم على أساس رأي القبيلة والسقيفة وأهل الحل والعقد عندهم.

 ثم  إنّه نتيجة للانحرافات الكبيرة التي حصلت في الأمّة تحول هذا المشروع إلى نظام ملكي مطلق في عهد معاوية، ومعاوية في ضمن عشر سنوات حاول أن يجذّر النظام الملكي المطلق ويعطيه لوريثه الفاجر الفاسق المعلن للفسق قاتل النفس المحرمة شارب الخمور يزيد بن معاوية، وعند ذلك نهض سيد الشهداء للحفاظ على الإسلام المحمّدي من خلال إراقة دمائه الزاكية، ولم يستند سيد الشهداء إلى عنصر التقيّة؛ لأنّه رأى أنه إذا لم ينهض ويسفك دمه الغالي سيضيع الإسلام، والتقية إنّما شرعت للحفاظ على الإسلام، فإذا دار الأمر بين الحفاظ على الإسلام والدين، والحفاظ على النفس فإن حفظ الدين يقدم على حفظ النفس، والتقية هنا تحرم.

كان بإمكان سيد الشهداء أن يبقى في المدينة – مدينة جده – معززاً مكرماً ومدللا، تُقبّل يده وتُجبى إليه الأموال والحقوق الشرعية، وأن يصلي إماماً في مسجد جدّه وبعنوان أنّه حفيد الرسول وسيد شباب أهل الجنة، والكل يظهر الودّ له، شريطة أن يعمل بالتقيّة المداراتية ويداري السلطة مهما بلغ، ولكنه لم يفعل!

هل يمكن الاستشهاد بالقضية الحسينية؟

هل سيرته حجة في التعامل مع السلطة أو ليست بحجة؟

عاشوراء يمكن أن يستند بها أحد أو أنها من الأسرار الربانية وقضية في واقعة لا تخصنا؟ فإذا كانت كذلك فما معنى كونها شعائر!

قد تقول: ربما سيد الشهداء لم يكن بإمكانه أن يبايع يزيد (مثلي لا يبايع مثله)، وكانت السلطة ترضى ليس بإعلان البيعة، بل ترضى منه بالمعارضة الهادئة، يكون معارض سلمي، كما تسمى اليوم معارضة مدنية، وسلمي مع سلطة يزيد، فيصرّح بكون الحق له لا ليزيد، ولكن درئاً للفتنة وخوفاً من الفساد وضياع النفوس يسكت، فقط يقتصر على تبليغ الإسلام، والسلطة تريد هذا من الإمام الحسين.

أنظروا رسالته للعلماء (أيتها العصابة، أنتم بالعلم مشهورون، … إلى أن يقول “مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه” ويخاطب العلماء كيف تسكتون وكيف لا تتدخلون، وكيف ترضون أن معاوية يجذر معالم النظام الملكي ويمهد لابنه الطاغية يزيد، فلم يعمل الإمام الحسين بالتقية.

وقبل ذلك الإمام الحسن لم يعمل بالتقيّة بل استعدّ لخوض المعركة، وأمّا الهدنة مع السلطة فهي أيضاً للحفاظ على الإسلام، والهدنة  معهم كانت من أجل الحفاظ على الإسلام والإلتزام بالشروط وفضح بني أمية، ليس بمعنى التنحي وترك المجال للملكية المطلقة المتمثلة بحكومة معاوية.

وهكذا استمر الأمر إلى أن نأتي إلى روايات الإمام السجاد ومسيرته، فهو يدعو للشهادة في سبيل، فدعاء الإمام السجاد لنيل الشهادة بين يدي الله كيف ينسجم مع السكوت أو المهادنة مع السلطة وأنّه لا مشروع له للحكم، فدعاء الحمد في الصحيفة السجادية، يقول × : (اللهم إنا نحمد حمداً نسعد به في السعداء من أوليائك، ونصير به في نظم الشهداء بسيوف أعدائك).

فقد لَقِيَ عَبَّادٌ الْبَصْرِيُّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ × فِي طَرِيقِ مَكَّةَ -ولم يشارك في جهاد السلطة وهو الجهاد الابتدائي التي تدعو السلطة له، ولم يشارك معهم في المعارك، فذهب لنصح الإمام السجاد- فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ تَرَكْتَ الْجِهَادَ وَ صُعُوبَتَهُ وَ أَقْبَلْتَ عَلَى الْحَجِّ وَ لِينَتِهِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ- {إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللّٰهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بٰايَعْتُمْ بِهِ وَ ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

 فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَتِمَّ الْآيَةَ فَقَالَ {التّٰائِبُونَ الْعٰابِدُونَ الْحٰامِدُونَ السّٰائِحُونَ الرّٰاكِعُونَ السّٰاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّٰاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ × إِذَا رَأَيْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ فَالْجِهَادُ مَعَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ.

فالإمام السجاد لم يقل: لا للمواجهة، بل إن المواجهة تحتاج إلى كوادر وجماعة مؤهلة، إذا وُجدت هذه الكوادر فهو مع المواجهة، ولن يتمسك بالتقية.

وكذا عندما نأتي للإمام الباقر والإمام الصادق اللذان خاضا معركة علميّة للحفاظ على المذهب، فهما عندما يتحدثان عن التقية: التقيّة ترس، أوالتقيّة جنّة، أو التقيّة حرز المؤمن، ماذا تعني هذه الكلمات؟

الترس والمتراس يستخدم في ميدان المعركة وفي المواجهة وفي خط الجهاد، فمن خلال التقية تحافظ على طاقتك وكيانك ومجموعتك لليوم الذي يأتي.

فمهمة الإمام الباقر والصادق عليهما السلام هي تربية الكوادر، كوادر علمية والحفاظ على الإسلام، وكثير ما هو موجود في روايات الإمام أنه لو كان لي بعدد هذه الشويهات لقمت، أو يقول: لوددت أنّ الخارجي منا يخرج وعليّ نفقته، فإذا أجد شخصاً مؤهلاً يقوم في سبيل الله وينهض ضد السلطة وله المؤهلات والكفاءة اللازمة، فأنا أدفع نفقته.

الموقف السلبي تجاه بعض الثورات

والسؤال: لماذا لم يقف الإمام مع بني الحسن محمد بن عبدالله صاحب النفس الزكية والعلوين؟

الجواب هو أنّ: هؤلاء كانوا يتحركون وفق المزاج والحال أنّ الجهاد لابُدّ أن يكون في ضمن مشروع وتحت ظل قيادة كفوءة شرعية، وهؤلاء كانوا غير مأهلين، ومزاجيين، وما يضيعونه من خلال الجهاد والمعركة أكثر مما يحصلونه، وضررهم أكبر من نفعهم، بل لا نفع  فيهم.

لذلك نصحهم الإمام، وقد أورد صاحب الوسائل باباً في وسائله بعنوان حكم الخروج بالسيف قبل قيام القائم، مثل ما نقله  عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ × قَالَ: كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ ×- فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.

وهذه أكثرها قضية خارجية، تريد أن تندد بقيام وتشجب قيام محمد بن عبدالله الذي مهّد له والدُه، ويدّعون المهدوية، وأنّه الإمام المهدي الموعود، فاسمه محمد، ووالده اسمه عبدالله، وفي الروايات أنّ المهدي اسمه محمد بن عبدالله ولقبه أبو القاسم، وذكروا أن هذا هو المهدي، وشكلوا خطاً علوياً متشدّداً لا يؤمن بولاية الإمام، فالإمام كان ينهى هؤلاء، ويقول لهم: لا تقولوا خرج زيد، إنه كان يدعو إلى الرضا من آل محمد، ويصدق قيام زيد، ولو ظهر لوفى، وأن زيد لو انتصر فمن خلال انتصاره سيسلم الراية لنا، والخارجي اليوم يدعو لنفسه.

خصائص القيام والثورة

ويذكر الإمام المعصوم خصائص للقيام والمواجهة:

  • أولاً: القائم بالمواجهة لابد أن يدعو إلى الله لا إلى نفسه.
  • ثانياً: أن يكون عالماً واعياً.
  • ثالثاً: أن يكون عادلاً.
  • رابعاً: عنده قوة وكفاءة للانتصار الاحتمالي.

وتوجد روايات مفصّلة في ذلك، وقد بحثناها سابقاً تحت عنوان مسؤولية الأمّة في عصر الغيبة نشر في مجلة فقه أهل البيت -ولا يسعنا المجال لبحث هذه الروايات مفصلاً – ولكن هذه الروايات أكثرها مما يتعلق بالقضية المهدوية والدعوة إلى النفس أو شخص مثل سدير الصيرفي فإنه مزاجي، وقد منعه الإمام من الحركة وأمره بالجلوس في بيته أو أمثال هذه القضايا. فهذه الروايات ليست في صدد الدعوة إلى الهدنة مع السلطة إلى أن يظهر الإمام، فهذا فهم مغلوط جداً، والإمام الراحل + يقول: هذه الروايات تتنافى مع الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع الخط القرآني والروائي لأهل البيت، وهذه الروايات حتى لو كانت مائة وكلها حسب الظاهر صحيحة فأضربوها في الجدار، هكذا عبّر، ويقول: من إن هذه الروايات من مصاديق الروايات التي أعرض عنها الأصحاب، وفيها نقص وخلل، إضافة إلى جوابه عن هذه الروايات واحدة واحدةً ويقول إنّها لا تعني الهدنة مع السلطة.

التقيّة الحرام

مضافاً إلى ذلك عندنا مجموعة روايات عن الإمام الصادق ×، هذه الروايات تحرّم التقيّة إذا كانت التقية تسبب الفساد في الدين، أو كانت التقية تسبب ضياع الدين، ومحو الأمّة، فالهدف من التقية الحفاظ على الإسلام، والحفاظ على المسلمين، والحفاظ على الأمّة، والحفاظ على مشروع الإسلام، والحفاظ على الهوية الإسلامية والهوية الشيعية، فإذا كانت التقية سبباً لتخريب هذا المشروع كله فتحرم التقية، وقد عقد صاحب وسائل الشيعة باباً بعنوان  بَابُ وُجُوبِ التَّقِيَّةِ فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ بِقَدْرِهَا وَ تَحْرِيمِ التَّقِيَّةِ مَعَ عَدَمِهَا وَ حُكْمِ التَّقِيَّةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَ مُتْعَةِ الْحَجِّ‌.

  • نذكر بعض من هذه الروايات:

نذكر بعض من هذه الروايات:

الرواية الأولى: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ وَ صَاحِبُهَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَنْزِلُ بِهِ.

فالضرورة استثناء وليست بأصل، والضرورات تُقدّر بقدرها، والضرورة مثل أكل الميتة استثناء، وكل شخص يعرف الضرورة التي تحدث له، فلو أرادوا قتله فحفاظاً على نفسه يتقي، وحفاظاً على المؤمن الآخر يتقي، فكأنما التقية آلية للحفاظ على التنظيم السري مثلاً، أو الحفاظ على المشروع، أو الحفاظ على المذهب أو الحفاظ على الجماعات.

الرواية الثانية: مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ زُرَارَةَ قَالُوا سَمِعْنَا أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْ‌ءٍ يُضْطَرُّ إِلَيْهِ ابْنُ آدَمَ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ.

وهذه الرواية صحيحة السند وواضحة الدلالة.

الرواية الثالثة: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا دِينَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ- وَ التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْ‌ءٍ- إِلَّا فِي النَّبِيذِ وَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

الرواية الرابعة: فقد نقلها الكليني عن عدّة من أصحابه عن علي بن أبيه  وَ عَنْهُ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَظْهَرَ الْإِيمَانَ- ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِ- خَرَجَ مِمَّا وَصَفَ وَ أَظْهَرَ وَ كَانَ لَهُ نَاقِضاً- إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَمِلَ ذَلِكَ تَقِيَّةً- وَ مَعَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِيهِ- فَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ التَّقِيَّةُ فِي مِثْلِهِ- لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لِلتَّقِيَّةِ مَوَاضِعَ- مَنْ أَزَالَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا لَمْ تَسْتَقِمْ لَهُ- وَ تَفْسِيرُ مَا يُتَّقَى مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَوْمُ سَوْءٍ- ظَاهِرُ حُكْمِهِمْ وَ فِعْلِهِمْ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْحَقِّ وَ فِعْلِهِ- فَكُلُّ شَيْ‌ءٍ يَعْمَلُ الْمُؤْمِنُ بَيْنَهُمْ لِمَكَانِ التَّقِيَّةِ- مِمَّا لَا يُؤَدِّي إِلَى الْفَسَادِ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ.

البعض ممن يدّعي التقية هم من قيادات الأمة وعلمائها، والآخر يتأسى به، وإذا كان العالم أو القائد إنّما يعمل بالتقية نتيجة للخوف على نفسه فهذا يسبب خذلان المذهب وخذلان الدين والإسلام ولا يقبل من مثله، هذا هو خط الإمام، فقد ذكر الإمام في تحرير الوسيلة مجموعة مسائلٍ، فيقول: إن رؤساء المذهب والعلماء إذا كانت تقيتهم موجبة لهدم الإسلام فتحرم عليهم التقية.

فالتقية مع السلطة إذا أدّت إلى فساد الدين وتضييع المشروع الإلهي فتحرم، فإذا لم يؤدِ إلى الفساد فإنّها جائزة.

الرواية الخامسة: مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْكَشِّيُّ فِي كِتَابِ الرِّجَالِ عَنْ نَصْرِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيِّ  عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَمَذَانِيِّ عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع وَ عِنْدَهُ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ- فَقَالَ لِلْكُمَيْتِ أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ-

فَالْآنَ صِرْتُ إِلَى أُمَيَّةَ  *** وَ الْأُمُورُ لَهَا مَصَايِرُ – قَالَ قُلْتُ: ذَاكَ وَ اللَّهِ مَا رَجَعْتُ عَنْ إِيمَانِي- وَ إِنِّي لَكُمْ لَمُوَالٍ وَ لِعَدُوِّكُمْ لَقَالٍ- وَ لَكِنِّي قُلْتُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ قَالَ- أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ التَّقِيَّةَ تَجُوزُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ.

فهذا اعتذار كميت الشاعر، فيجيب عنه الإمام إذا كنت هكذا تمدح السلاطين، فهل يجوز لك أن تشرب الخمر تقية، فمدح السلاطين والسلطة مثل نجاسة شرب الخمر، والإمام يأنبه، فمدح السلطة التي تريد هدم الدين، ومدح السلطة أو السكوت مقابل ظلم السلطة التي تنكل بالمؤمنين، الوقوف إلى جنب السلطة أو السكوت عن ظلمها التي تريد محو الهوية الشيعية، تبريره بالتقية لا يجوز، وخلاف روايات أهل البيت وروايات الإمام الرضا والصادق والكاظم والاعتذار بالتقية مثل اعتذار كميت الشاعر الذي جعل الإمام تقيته كالتقية في شرب الخمر.

الرواية السادسة: وهي المذكورة في باب وجوب عشرة العامة بالتقية.

فإن الإمام يذكر في هذه الرواية أن التقية من الخباء، أي الاختفاء، كالتنظيم السري.

عَنْ هِشَامٍ الْكِنْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ : … وَ اللَّهِ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ‌ءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْخَبْ‌ءِ- قُلْتُ وَ مَا الْخَبْ‌ءُ قَالَ التَّقِيَّةُ.

أي تكتم الحركة، وتحافظ على السر، كمجموعة من الروايات الموجودة في وجوب الحفاظ على أسراء آل محمد، ومن جملة الأسرار لأهل البيت ليس فقط الفضائل والمناقب، فالحفاظ على أسرار أهل البيت أنهم يدعون إلى سلطة ودولة وحكومة، كل أهل البيت من دون استثناء كان عندهم مشروع سلطة وحكومة.

يأتي محمد بن إسماعيل أبن أخ الإمام الكاظم، يريد توديع الإمام  ليذهب إلى بغداد، ويطلب من الإمام نصحه، فيقول له الإمام: أنصحك أن لا تبتلي بدمي، فيتعجب من ذلك، فيذهب بعد ذلك إلى بغداد يتقرب إلى السلطة، فيعطونه أموال أكثر عند ذلك يقول إن عمي يدعو للإمامة والولاية والحكومة فتبدأ سجون الإمام موسى بن جعفر.

فالمقصود من التقية الحفاظ على الإمام والحفاظ على الأمة والحفاظ على المشروع، لا الإعاقة للمشروع والإعاقة للإمام، والإعاقة للدولة.

ما يمكن أن يكون معارضاً:

وتوجد عندنا مجموعة من الروايات يتمسك بها في وجوب إطاعة السلطان للتقية كما في الباب السابع والعشرين من أبواب الأمر بالمعروف في الوسائل، فيجاب عنه:

  • أولاً: أن فيها روايتن.
  • ثانياً: أنها تقسم السلطان إلى عادل وجائر، فَإِنْ كَانَ عَادِلًا فَاسْأَلُوا اللَّهَ بَقَاهُ- وَ إِنْ كَانَ جَائِراً فَاسْأَلُوا اللَّهَ إِصْلَاحَهُ- فَإِنَّ صَلَاحَكُمْ فِي صَلَاحِ سُلْطَانِكُمْ- وَ إِنَّ السُّلْطَانَ الْعَادِلَ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ الرَّحِيمِ- فَأَحِبُّوا لَهُ مَا تُحِبُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ- وَ اكْرَهُوا لَهُ مَا تَكْرَهُونَ لِأَنْفُسِكُمْ.

ثالثاً: هذه الروايات معارضة بروايات حرمة إطاعة الحاكم الجائر، وإطاعة الحاكم الجائر من الكبائر، والمقصود من الحاكم الجائر هو الحاكم غير المأذون من الإمام عليه السلام على السلطة، وغير الإمام، حتى لو كان حاكماً عادلاً بالظاهر، فإنه يسمى حاكماً جائر؛ لأنّه سالبٌ لمقام الإمامة وغاصب لهذا المنصب الإلهي من دون حقٍّ.

هل يجوز التعامل مع الحاكم الجائر؟

كتب  فقهاؤنا مثل السيد المرتضى رسالةً في جواز العمل مع السلطان، والشيخ الأعظم الأنصاري في المكاسب يوجد له بحث مطوّل في ذلك، ولكن جواز العمل مع السلطان له شروط:

  • منها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسكوت والتقية والمهادنة وتضييع المشروع خلاف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • منها: العمل مع السلطان من أجل خدمة المؤمنين، وخدمة المشروع الإسلامي.

ثم يحتاج ذلك إلى إذن وشروط، أين هذا من التقية الذي تجعل في قبال المشروع.

كلام الإمام الخميني في المقام

أولاً: في صحيفة النور.

هناك مجموعة نقاط تحدث الإمام فيها حول التقية، والإمام + فسّر التقية كآلية للحفاظ على المشروع الإسلامي والحفاظ على الإسلام والحفاظ على الأمة، والتقية كمنهج للنضال والجهاد، لا للحيلولة دون الجهاد ومواجهة السلطان.

الخطاب الأول: التقية حرام، وإظهار الحقائق واجب بلغ ما بلغ.

 عندما هجم جلاوزة الشاة على المدرسة الفيضية وهتكوا الشعائر والمقدسات الدينية واعتدوا على طلبة العلوم الدينية، الإمام حينها تحدث عن جرائم الشاة بصراحة وحديثه مطول في ذلك إلى أن يقول:

ليعلم السادة اصحاب السماحة بأن الاخطار تهدد أصول الإسلام، وأن القرآن والمذهب في خطر، وفي مثل هذه الحالة تُعدّ التقية حراماً، وإظهار الحقائق واجب ولو بلغ ما بلغ“.

فهذه الكلمة (بلغ ما بلغ) صارت مشهورة على لسان الإمام، ففي الوقت الذي كانوا  يقولون التقية إنّ واجبة وأن الشاه هو شاه الشيعة، وكيف نواجه الشاه، قال الإمام الخميني: التقية حرام، وإظهار الحقائق واجب ولو بلغ ما بلغ أي ولو أرقيت الدماء.

طبعاً في هذا الصدد توجد مجموعة روايات عن أهل البيت عليهم السلام، كجزء من ثقافة الشيعة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتحدث هذه الروايات أنه لو حصل التزاحم بين حفظ الدين وحفظ النفس، فالنفس فداء للدين ولحفظه.

من هذه الروايات: : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع كَانَ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَصْحَابِهِ إِذَا حَضَرَتْ بَلِيَّةٌ فَاجْعَلُوا أَمْوَالَكُمْ دُونَ أَنْفُسِكُمْ- وَ إِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ فَاجْعَلُوا أَنْفُسَكُمْ دُونَ دِينِكُمْ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ دِينُهُ- وَ الْحَرِيبَ مَنْ حُرِبَ دِينُهُ- أَلَا وَ إِنَّهُ لَا فَقْرَ بَعْدَ الْجَنَّةِ- أَلَا وَ إِنَّهُ لَا غِنَى بَعْدَ النَّارِ- لَا يُفَكُّ أَسِيرُهَا وَ لَا يَبْرَأُ ضَرِيرُهَا.

وتوجد خمس أو ست روايات في هذا الصدد، والإمام الخميني + على هذا المبنى، فالتقية شرعت لحفظ الدين، وعندنا التقية على أقسام:

من أقسام التقيّة:

  • تقية تتعلق بشؤون المكلف الفردية: وهذا تشخيصها بيد المكلف.
  • تقية تتعلق بشؤون الأمة، والإسلام والمذهب: يتوقف مصداق تشخيصها على الفقيه الكفوء العادل الشجاع الذي ينوب الأئمة عليهم السلام وينوب الحجة عجل الله فرجه.

والإمام الخميني ومن هذا المنطلق يشخِّص المسألة ويقول بعنوان الحكم: أن التقية حرام، واليوم ليس المصداق هذه التقية.

الخطاب الثاني: رفع الله التقية في مواجهة السلطة.

ويستند باستناد الإمام يقول: أنتم الأفضل أن تعلّموا الله التقية، فالله يعلم قصة فرعون مع موسى، ويقول لموسى وهارون: أذهبا لفرعون أنه طغى وقولوا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، مواجهة موسى مع فرعون لماذا لم يقل لهم الله أتقوا هنا تقية، ففي مواجهة السلطة الله رفع التقية، ويستند بمواجهة موسى لفرعون في القرآن الكريم.

الخطاب الثالث: التقية آلية للجهاد في سبيل الله.

يقول الإمام الخميني: التقية آلية للجهاد في سبيل الله، وليست التقية في مواجهة الجهاد في سبيل، ولذلك نحن لا نخشى من الشهادة، ولا نخاف منها إذا كانت الشهادة في طريق الجهاد من أجل تمشية المشروع الإسلامي، التقية في مواجهة الشهادة وتحول دون الجهاد في سبيل الله.

الخطاب الرابع: التقية حرام إذا كان الدين في خطر.

إذا كان الدين في خطر فالتقية حرام، فمع التعارض بين الخطر على الدين والتقية، فالتقية تكون حرام، والإمام الآن يشخص كون الدين في خطر كما سيتضح بعد ذلك.

الخطاب الخامس: تقية الإئمة لأجل مشروع الجهاد.

يقول الإمام الخميني في سياسة الأئمة الأطهار، ويقول: تقيّة الأئمة من أجل تمشية مشروع الجهاد وتأسيس الدولة كلٌ بحسبه، والتقية تدبير سياسي من الأئمة لتمشية المشروع الإسلام، وهذا الكلام أطلقه بعد سنة من تأسيسه الجمهورية الإسلامية في العام 1980، وهذا كلام مهم للإمام الخميني، وهذا يشابه ما ذكره الإمام الخامنائي حفظه الله في كتابه “إنسان بعمر 250 عاماً” حيث يذكر  في سيرة الأئمة الأطهار أنّهم تنوعت أدوارهم وهدفهم واحد كما ذكر السيد الشهيد محمدباقر الصدر، ويذكر الإمام القائد أن الهدف تأسيس الدولة وإقامة الدولة وكذا الإمام الراحل، وهذا الكلام ذكره الإمام الخميني كذلك في سنة 1971 وكذا ذكره الإمام القائد حفظه الله في نفس العام.

الخطاب السادس: تقيّةُ رسولِ الله آلية جهاد

ويتحدّث فيه الإمام الخميني حول تقية الرسول الأكرم ’، فقد أستخدمها كآلية للجهاد في سبيل الله تعالى، في مكة المكرمة، وفي تنظيمه السري وتربية الكوادر.

الخطاب السابع: مدارة رسول الله من أجل الحفاظ على المشروع.

يقول فيه الإمام الراحل: أن النبي الأكرم كان يستعمل المداراة ومدراة الرسول الأعظم ’ كانت تقيةً (أمرني ربي بمدارة الناس كما أمرني بالفرائض) وهذه المداراة من أجل الحفاظ على المشروع، ومع ذلك كان الفساد في زمن رسول الله وبعد زمانه وإلى أن يأتي الحجة فالفساد موجود، ولكن المهم أن نعمل بالتكليف ونصلح وضع الأمة بقدر المستطاع، والتقية المدارية آلية لتمشية المشروع وتأليف القلوب وما شاكل ذلك.

الخطاب الثامن: نهج الإسلام نهج مواجهة الطغاة والمستكبرين.

يتحدث فيه بعد عام من قتل حجاج بيت الله الحرام، وبعد قبوله الاتفاق بوقف الحرب مع العراق، فيتحدث فيه حول منهج ومشروع الإسلام الأصيل وأن نهج هذا الإسلام لا يستمر إلا بالكفاح والنضال، فيقول: طالما يوجد الإسلام والإسلام موجود، فالمواجهة للطغاة والمستكبرين موجودة كذلك، وطالما هذه المواجهة هي في ضمن

المشروع الإسلام فنحن موجودون ونحن لن نهدأ حتى نرفع راية “لا إله إلا الله ومحمد رسول الله” على أرجاء العالم، فهذا خط مواجهة الإمام.

ثم يتحدث في هذا الخطاب أن هذا سيتحقق بإذن الله لأنه وعد إلهي، ويطول المقام في نقل هذا الخطاب الطويل.

الخطاب التاسع: وظيفة العلماء فضح الإسلام الأمريكي

يذكر الإمام الراحل في أربعينية الشهيد السيدعارف الحسيني “الباكستاني” فيتحدث فيه حول الإسلام الأمريكي، فيقول: مواجهة الإسلام الأمريكي يحتاج إلى حكمة ويحتاج إلى ظرافة، لأنه في نوع من الالتواء والخداع، ثم يخاطب العلماء والحوزات العلمية ويطلب منهم فضح الإسلام الأمريكي وإلا لا يمكن إقامة مشروع الدولة الإسلامية ونمهد لظهور الإمام الحجة (عج)، فيقول ما نصه: ((طريق النضال ضد الإسلام الأميركي، يتسم بالتعقيد، ولا بد من العمل على الكشف عن كل إبعاده للمسلمين الحفاة. ومما يؤسف له أن الحد الفاصل بين (الإسلام الأميركي) و (الإسلام المحمدي الأصيل) لم يتضح بعد للكثير من الشعوب الإسلامية. لم يتضح بعد الفارق بين إسلام الحفاة والمحرومين، وبين إسلام المتظاهرين بالقداسة المتحجرين والرأسماليين الذين لا يعرفون الله والمرفهين الذي لا يعرفون معنىً للألم. وان إيضاح حقيقة استحالة وجود فكر بين متضادين ومتقابلين في مذهب واحد ودين واحد، يعتبر واجباً سياسياً مهماً للغاية. ولو كان قد حصل مثل ذلك الامر داخل الحوزات العلمية لكان من المحتمل- جدا- أن يكون سيدنا العزيز عارف الحسيني بيننا الآن.

لذا فمن واجب علماء الدين العمل على إنقاذ الإسلام العزيز من أيدي الشرق والغرب، من خلال إيضاح ابعاد هذين الفكرين.

ويذكر الإمام أن من الواجبات السياسية المهمة جداً بعهدة الحوزات العلمية هو فضح الإسلام الأمريكي وشرح الإسلام الأصيل الذي لا يقبل الهدنة مع إسلام الظالمين واسلام السلطة ووجوب مجابهة الطغاة والمستكبرين في الشرق والغرب وأيادهم في المنطقة.

ثانياً: ما ورد في تحرير الوسيلة.

فقد طبق الإمام الخميني ذلك في تحرير بين التعامل والمواجهة، وبعد وضوح الفكرة بين الإسلام الأمريكي الذي يبرر القعود والجلوس مع الظالمين والتعايش معهم باسم التقية والهدنة، وبين الإسلام الأصيل الذي يريد أن يمضي قدماً في مواجهة الطغاة والمستكبرين  لتحقيق المشروع الإسلام:

من هذه المسائل التي ذكرها فی ختام كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مسألة 1:  ليس لأحد تكفل الأمور السياسية كإجراء الحدود و القضائية و المالية‌كأخذ الخراجات و الماليات الشرعية إلا إمام المسلمين عليه السلام و من نصبه لذلك.

مسألة 2: في عصر غيبة ولي الأمر و سلطان العصر عجل اللّٰه فرجه الشريف يقوم نوابه العامة‌- و هم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى و القضاء- مقامه في إجراء السياسات و سائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد.

 ‌مسألة 3: يجب كفاية على النواب العامة القيام بالأمور المتقدمة مع بسط يدهم و عدم الخوف من حكام الجور،و بقدر الميسور مع الإمكان.

‌مسألة 4: يجب على الناس كفاية مساعدة الفقهاء في إجراء السياسات و غيرها من الحسبيات ‌التي من مختصاتهم في عصر الغيبة مع الإمكان و مع عدمه فبمقدار الميسور الممكن.

إلى أن يذكر الإمام الخميني في بحث احتمال المفسدة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأنه إذا اتحتمل المفسدة ضد الدين وأمثاله أو حفظ الأمة ونفوس الأمة تسقط التقية، فيقول:

مسألة 5: لو كان المعروف و المنكر من الأمور التي يهتم به الشارع الأقدس‌كحفظ نفوس قبيلة من المسلمين و هتك نواميسهم أو محو آثار الإسلام و محو حجته بما يوجب ضلالة المسلمين أو إمحاء بعض شعائر الإسلام كبيت اللّٰه الحرام بحيث يمحى آثاره و محله و أمثال ذلك لا بد من ملاحظة الأهمية، و لا يكون مطلق الضرر و لو النفسي أو الحرج موجبا لرفع‌التكليف، فلو توقفت إقامة حجج الإسلام بما يرفع بها الضلالة على بذل النفس أو النفوس فالظاهر وجوبه فضلا عن الوقوع في ضرر أو حرج دونها.

فهنا الإمام يقول أن تبليغ الإسلام بعض الأحيان يحتاج إلى إراقة الدماء وإلا لا يمكن.

مسألة 6: لو وقعت بدعة في الإسلام و كان سكوت علماء الدين و رؤساء المذهب أعلى اللّٰه كلمتهم موجبا لهتك الإسلام‌ وضعف عقائد المسلمين يجب عليهم الإنكار بأيّة وسيلة ممكنة سواء كان الإنكار مؤثرا في قلع الفساد أم لا، وكذا لو كان سكوتهم عن إنكار المنكرات موجبا لذلك، ولا يلاحظ الضرر والحرج بل تلاحظ الأهمية.

مسألة 7: لو كان في سكوت علماء الدين و رؤساء المذهب أعلى اللّٰه كلمتهم خوف أن يصير المنكر معروفا ‌أو المعروف منكرا يجب عليهم إظهار علمهم، ولا يجوز السكوت ولو علموا عدم تأثير إنكارهم في ترك الفاعل، ولا يلاحظ الضرر والحرج مع كون الحكم مما يهتم به الشارع الأقدس جدا.

وهكذا يتحدث عن سكوت العلماء وبفصل الدفاع يتحدث عن وجوب المقاومة المنفية  – السلبية – كترك شراء وأمتعة الكفار والسلطة وترك استعمالها وترك المعاملة معهم مطلقاً، فكيف بالتطبيع مع الكيان الصهيوني في زماننا التي تقوم به بعض السلطات، فإنّها سياسات يجب انكراها، فإنّ فلسطين تعتبر دار الإسلام المنثلمة، ويجب إعادتها وستعود إن شاء الله إلى دار الإسلام بكلمة العلماء والحوزات والنخب والمفكرين الموحدة في مواجهة السلطات التي تدعو إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.


الكاتب: سماحة آية الله الشيخ عباس الكعبي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى