ثقافة

التجليات النظرية والعملية للإمام الخميني في تعليم وتربية الاطفال

إن الطفل الصالح والجدير هو رغبة طبيعة وفطرية لجميع البشر، فالجميع يتمني ان يكون لديه اطفال وابناء سالمين وصالحين؛ ابناء يكونون قرة أعينهم فيزينون حياتهم ويملوها بالأفراح، وحتى الاناس غير الجديرين ايضا يحبون ان يكون لديهم اطفال طيبين وصالحين، الا ان مساعي وجهود ومحاولات اولئك الذين تربوا في مدرسة القرآن تتجاوز هذه الرغبة الطبيعية. فهم لا يريدون فقط ان يكون أطفالهم طيبين وجديرين، وانما يريدون ان يكون أطفالهم الي جانب الاسرة وان يكونوا نموذج وقدوة يحتذي به الناس الجديرون ايضا، فهؤلاء في صلاتهم ودعائهم وابتهالهم الي الله عزوجل يقولون: «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّياتِنَا قُرَّةَ أَعْينٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» (الفرقان: 72)

السؤال المهم هو: كيف يمكننا ان نحقق هذا الحلم وهذه الامنية السامية وكيف نمهد الامور لاستجابة هذا الدعاء حول اطفالنا وابنائنا؟ الاجابة هوان تربية الطفل الجدير ترتكز على عناصر يمكن مشاهدتها بشكل واضح في كلام الائمة المعصومين علىهم السلام وفي سيرة الشخصيات العظيمة المطلعة على التعاليم الدينية.

وكما نعلم ان دراسة قصص وحكايات وسيرة حياة الشخصيات الكبري امر ممتع للجميع، وان الانسان قد تأثر طيلة حياته ومنذ الطفولة بالحكايات والقصص الممتعة والمدهشة لهذه الشخصيات الكبيرة وسيرة حياتهم.

فالقصص والحكايات تترك تأثيرها على القارئ بحيث ان الاستدلال العقلي لا يترك مثل هذا التأثير على الانسان ابداً وذلك لان تطبيق موضوع التعليم التربوي والاخلاقي يعتبر أحد وسائل التعلم المؤثرة والفاعلة وان القصص والتمثيل ايضاً يؤديان مثل هذا الدور.

وقد تم استخدام هذا الاسلوب في القرآن الكريم، فقد تم في يعض الآيات احياناً التصريح مباشرة باتباع شخص واحياناً دون التصريح ذلك والمهم هوانه تم الاشارة الي القدوة وتعتبر قصص حياة ايوب ويوسف وسليمان وابراهيم وموسى ونوح (عليهم السلام) كلها من مصاديق هذا الامر. وتأسيساً على ذلك نلاحظ ان القرآن استخدم طريقة عرض الشخصيات النموذجية القدوة كأسلوب اساسي للتعليم والتربية.

ان اسلوب عرض الشخصيات القدوة في إطار قصة أو على شكل قصة، هو اسلوب اتخاذ العبر من حياة الاخرين. من هنا قررنا أن نقدم لمحة وروايات موجزة عن اهل البيت (ع) وبعض الذكريات الجميلة والممتعة للأمام الخميني (ره) (هذا الرجل العظيم الذي تمكن بعد 1400 سنة ومن خلال الاتباع الصحيح والدقيق للسنة النبوية (ص)، ان يوفر حياة جميلة وممتعة له ولجميع من حوله، حياة يمكنها ان تقدم لنا دروساً تعليمية وارشادية جمة، قصص وحكايات وذكريات جمعناها من مصادر مختلفة وذلك فقط من اجل تذكير اولئك الذين يتمنون السعادة لأنفسهم وابنائهم وان نضعها في ايدي ومتناول الاباء والامهات والمشرفين على امور تربية الاطفال.

ونحاول في هذا المقال أن نقدم من خلال دراسة واختيار الشخصيات النموذجية والقدوة بعض مبادئ التعليم والتربية للأطفال واليافعين في إطار جميل يسترعي انتباههم. وفي هذا المجال نطرح القصص بشكل منظم يحتوي على مواضع وعناوين متنوعة خاصة بالأبحاث والمواضيع التربوية المهمة.

ومواضيع هذه المجموعة من القصص هي من صميم الحياة الحقيقة لرجل عظيم عاش في عصرنا وتمكن من خلال تعامله وارتباطه العاطفي مع الاطفال واليافعين ان يقدم اسلوبا صحيح للتربية والتعليم لمن يبحث عن طريق سليم للحياة الانسانية السليمة.

دور القدوة في تربية الاطفال واليافعين

رغم أن هناك اسباب وعوامل مختلفة تؤثر في تربية وتعليم الانسان ويؤدي كل منها دوراً في صياغة شخصيته، الا أن تأثير الانسان القدوة في التربية يحظى بأهمية كبيرة. فالي جانب الاسرة، والمعلمين والاصدقاء والشخصيات الرياضية والفنية، الذين يمكنهم ان يكونوا قدوة للإنسان. هناك ايضاً شخصيات اخري مثل الحكام وعلماء الدين الذين يعتبرون من الشخصيات النموذجية القدوة والامام الخميني (ره) كان من الشخصيات التي جمعت بين الاثنين.

دور الحكام في اعداد النموذج والقدوة في التربية

ان اعداد القدوة للأخلاق والعمل ودوره الاساسي في التربية يشمل جميع فئات وشرائح المجتمع ويمكن ان نذكر من ضمنها الحكام والمسؤولين.

فاذا كان المسؤولين والجهات التنفيذية في الحكومة أناس صالحين وملتزمين، فسيتم على اساس المثل المعروف «الناس على دين ملوكهم» اصلاح الشعب تدريجياً، ولكن لو تهاونوا في التربية وفي رقابة اعمالهم واهوائهم النفسية والتجأوا الي الدنيا ومظاهرها، عندها سيبدأ المجتمع ايضاً بالتدريج بالابتعاد عن القيم التربوية الصحيحة ويتجه نحو الفساد الذي يسوق المجتمع الي الدمار. وآنذاك سوف لا تنفع نصيحة الناصحين وسيضعف دور الصالحين في هداية الناس وسيتم عزلهم وتجاهلهم وسيستلم امور المجتمع اناس غير جديرين اناس بعيدين كل البعد عن القيم الانسانية. وقد اشار القرآن الكريم الي المصير السيئ والمهين لقوم فرعون ودور الحكام المؤثر في هذا المجال: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ» (سورة زخرف: 52) حيث نلاحظ هنا ان اطاعة الحكام الفاسدين هي التي افسدت مجتمعهم وحضارتهم وبالتالي تعرضوا هم للإبادة ايضاً.

يقول الامام على (ع) في هذا المجال: «فليست تصلح الرعية الا بصلاح الولاة». وفي مكان اخر يقول: «من نصب نفسه للناس اماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم.

وهذا الموضوع يحظى بأهمية أكثر في الحكومات الدينية التي يتولى مسؤوليتها أهل الدين وذلك لأن الخير والشر في المجتمعات يتأثران جداً بأسلوب عملهم وادائهم. وروي عن النبي (ص) بأنه: «صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدوا فسدت أمتي». قيل: يا رسول الله ومن هما؟ قال: (الفقهاء والامراء).

دور علماء الدين في اعداد والقدوة التربوية

من بين النماذج الانسانية التي تساهم في اعداد القدوة هم علماء الدين والمسؤولين عن القضايا الدينية، حيث ان سلوك وكلام العلماء والفقهاء يترك تأثيراً كبيراً على الناس والمجتمع. وإذا كان عالم الدين رجل صالح فانه سيقود المجتمع الي الصلاح والفلاح. وفيما إذا كان فاسقاً وفاسداً فانه سيقود المجتمع الي الرذيلة والفساد. يقول القرآن الكريم في معرض اشارته الي تأثير العلماء في اهتداء النصارى: «ذَٰلِك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يسْتَكبِرُونَ» (مائدة: 82)

ويقول الامام علي (ع) في هذا المجال: زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق معها غيرها.

لذا فأن اداء وافعال جميع الذين يعتبرون بأنهم أمنا على الدين ومسؤولين عن الامور الدينية يترك تأثيراً كبيراً واساسياً على نوع السلوك الديني للناس وتدينهم، والانسان بصورة عامة قبل ان يتأثر بكلام وتبليغ الامناء على الدين والمسؤولين المشرفين على الامور الدينية، يتأثر بسلوكهم وتعاملهم وافعالهم، ولهذا السبب يعتبر اداء وافعال المسؤولين عن الدين وخاصة علماء الدين مهم للغاية في تعزيز مكانة الدين او اضعافه بين الناس. ونظراً الي مكانتهم العلمية فأن صلاحهم وفسادهم سيترك تأثيره على المجتمع ايضاً.

والقرآن الكريم يذم اولئك الذين يقولون ما لا يفعلون ويقول: (لم تقولون ما لا تفعلون (الصف الآية 2). ومن وجهة نظر أمير المؤمنين (ع) ان دعوة الناس الي الدين والتدين سيكون مؤثراً عندما يعمل الدعاة أنفسهم يما يقولون: «فان العالم بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم والحسرة له الزم، وعند الله الوم»).

وتأسيساً على ذلك فان مسؤولية العلماء والمسؤولين عن الشؤون الدينية مسؤولية خطيرة جداً وذلك لان افعالهم واعمالهم ستكون نموذج وقدوة لجميع بناء المجتمع.

نظرة على المبادئ التربوية في سلوك الامام الخميني (ره).

ان الذكريات التي نقلتها أسرة الامام الخميني (ره) وأقاربه حول علاقته العاطفية بالأطفال واليافعين تبين ان أحد الجوانب التعليمية والتربوية لسماحة الامام (ره) هو اسلوب تعامله وتصرفه مع الاطفال. فمع انه كان يستقبل الاطفال بوجه مبتسم وقلب حنون، لكنه كان حساس للغاية ازاء تربيتهم تربية صحيحة وكان يدعو العوائل الي تربية الابناء تربية صالحة والهية. ويمكن في هذا المجال العثور على أمور مفيدة للغاية من بين أحاديثه وكلماته الثمينة ومن خلال سيرته العملية.

اللعب مع الاطفال

ان للآباء والامهات مسؤوليات عديدة تجاه أطفالهم وابنائهم ينبغي الاهتمام بها واخذها بنظر الاعتبار. واحد الغرائز التي زرعها الله عزوجل في الاطفال هي الرغبة في اللعب، وقد يكون اللعب في البداية امر غير مجدي لكنه يؤدي الي تكامل الطفل وتنمية روحه واحاسيسه اذ ان اللعب يؤدي الي تنشيط قدرته الفكرية ويكشف عن مواهبه الذاتية. وحتى ان الروايات الاسلامية قد ابدت اهتمام خاص بموضوع لعب الاطفال. فالإمام جعفر الصادق (ع) يقول: (الغلام يلعب سبع سنين ويتعلم الكتاب سبع سنين ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين). واحدي فوائد اللعب للأطفال هو ممارسة استقلالية الارادة وتحفيز روح المبادرة وذلك لأنه اثناء اللعب ينشط الجهاز الفكري للطفل بأكمله فيشعر بالمتعة لكل خطوة ناجحة يقوم بها. وإذا سخر والداه منه ودعوه غبياً ووصفوا ما يقوم به بانه عمل غير صحيح، فان هذا العمل يعتبر اهانة له وسيوجه أكبر صدمه نفسية لشخصيته.

ان من سبل تربية وتنمية شخصية الطفل هو مشاركة الكبار في اللعب معهم، فعندما يشارك الاب أو الأم في اللعب مع الاطفال، ويساعدوهم في نشاطاتهم الطفولية سيشعر الطفل في ذاته بان ما يقوم به عمل قيم ومهم لدرجة بحيث ان الام والاب قد التحقا به وبادرا بمشاركته في اللعب، ومثل هذا العمل يحيي الشعور بالشخصية لدي الطفل وبالتالي تزداد ثقته بنفسه ويزداد شعوره بالاستقلالية. ولهذا يعتبر موضوع مشاركة الكبار في اللعب مع الاطفال أمر مهم جداً في البرامج التعليمية والتربوية ويعتبره العلماء وخاصة علماء النفس من أهم المهام التربوية للوالدين وأكدوا على ضرورة مشاركة الاب والام في القضايا الترفيهية لأطفالهم.

الاستنتاج

يمكن الاشارة الي النقاط التالية بعنوان اهم نتائج البحث الذي ذكرناه:

1- من خلال دراسة بعض من الروايات التربوية ووفقاً لخبراء التعليم والتربية الاسلامية نجد أن الدين الاسلامي قد أكد كثيراً على التربية الدينية للأبناء وخاصة التربية العبادية. حتى تتوفر للأطفال والابناء الارضية اللازمة لبلوغ المراحل العالية للكمال. ولتحقيق هذا الهدف وجعل الاطفال يهتمون بالتعليم واداء الفرائض الدينية ينبغي ان يتم اتخاذ التدابير اللازمة والمناسبة في هذا المجال منذ الطفولة. وبهذه الطريقة ومن خلال التخطيط الدقيق، نحاول ان نقوم بتعليم الاطفال القضايا الدينية والاخلاقية المبدئية بأسلوب بسيط يفهمه الطفل ببساطة ويشجعه على الاداء والالتزام بها.

2- إن أحد الجوانب التعليمية والتربوية لسماحة الخميني (ره) هو اسلوب تعامله وتصرفه مع الاطفال، فمن جهة نراه انه كان يستقبل عادة الاطفال بوجه مبتسم وقلب حنون، لكنه من جهة أخري كان حساس للغاية ازاء تربيتهم تربية صحيحة وكان يدعو العوائل الي تربية الابناء تربية صالحة والهية. بحيث نستطيع العثور على امور مفيدة للغاية في هذا المجال من خلال أحاديثه وكلماته الثمينة ومن خلال متابعة سيرة حياته العلمية.

وإذا أمعنا النظر في تعامل الامام الخميني مع الاطفال نلاحظ ان جميع سلوكياته وتعامله مع الاطفال كانت مبنية على اساس من وعيه ورؤيته وروحه السماوية المتسامية، حيث نري ان رغم تقدمه في العمر ورغم الامراض التي اصابته كان يلبي احتياجات الاطفال وكان يتصرف معهم كما يتصرف النبي الاكرم (ص) مع الاطفال.

3- إن الامام الخميني (ره) كان يحب جميع الاطفال الذين هم مظهر من مظاهر النعم الالهية وكان يعتبر افعالهم واعمالهم طبيعية تتماشي مع فطرتهم وطبيعتهم ومن هنا كان يعتبر مشاكساتهم وآذاهم امراً طبيعياً وفطرياً.

4- يعتبر الامام الخميني (ره) من أفضل الشخصيات النموذجية القدوة للعوائل في عصرنا الراهن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى