ثقافة

تأثير الإمام الخميني على الإتجاه الديني في عالمنا المعاصر

الكاتب: علي رضا محمدي

مما لا شك فيه ان اسم الامام الخميني امتزج مع التاريخ المعاصر للعالم فهو بلا شك رجل القرن ومحيي التراث الاسلامي العظيم في زمننا الراهن. اذ نلاحظ انه رغم سيطرة وهيمنة الثقافة الغربية وانبهار عدد كبير من البشرية بظواهرها الزاهية والبراقة فتح طريق جديد امام انسان اليوم واسس مدرسة اصيلة لإحياء القيم والمبادئ الاسلامية في عالمنا اليوم.

وهذا المقال يتولى دراسة اهم تأثيرات ثورة سماحة الامام علي عالم الغرب ومفهوم الغرب في هذا المقال لا يعني المساحة الجغرافية للغرب وانما يشمل اوسع من ذلك حيث يتم التأكيد أكثر على الابعاد الثقافية والحضارية التي حدثت في المحيط الجغرافي الغربي خاصة بعد النهضة الجديدة. وعلي هذا الاساس يعني الغرب في هذا المقال الفكر الدنيوي العلماني التجريبي الذي يتميز بفرض الهيمنة المادية والاستثمار المادي الذي تمتد جذوره ليس في ظاهر الغرب وانما في جميع الاهواء والرغبات النفسية للإنسان وأنانيته وحبه لنفسه فقط.

الاتجاه الي المعنوية احياء الدين والتدين

ان الانتشار السريع للأفكار الالحادية والابتعاد عن الله عزوجل واتجاه بعض بلدان العالم الي النظام الغربي السياسي العلماني، قد جعل الكثير من المفكرين يصدقون بأن الانزواء والانهيار والفشل الكامل سيكون المصير المحتوم للأديان الالهية. الا ان نهضة الامام الخميني ونجاح وانتصار الثورة الاسلامية بقيادته لم تستطع فقط تغيير الخطاب الديني في إيران وانما خلقت ظروف تشير الي دخول العالم في مرحلة تختلف عن المراحل الماضية وفي عصر يمتاز بخصوصيته الدينية والمعنوية الممتازة.

ومن وجهة نظر الكثير من الكتاب والخبراء المحللين ان تجديد الحياة المعنوية والدينية للبشرية قد بدأت بانتصار الثورة الاسلامية في إيران ومن هنا ينبغي اعتبار عقد الثمانينات من القرن الماضي اول عقد لهذا التجديد. من هذه الزاوية إذا أردنا ان نحدد تاريخاً لإحياء الهوية الدينية فان هذا التاريخ سيكون عام 1979 م يعني تزامنا مع انتصار الثورة الاسلامية في إيران التي اوجدت حركة عظيمة وقفزة كبيرة في الفكر الديني لجميع الاديان. فآخر الاحصائيات التي تم اجراءها حول احياء الفكر الديني في عام 1990 تشير الي ان 70 % من سكان اوروبا يشعرون بالتدين. كما نلاحظ ان في جميع الاديان من الهندوسية وحتى البوذية وانواع الفرق المسيحية تحكي عن نوع من العودة الي الفكر الديني وان الثور الاسلامية الايرانية أدت الي احياء الفكر الديني في العالم. فشخصية الامام ونداءاته ورسائله المعنوية قد تركت تأثيراً كبيراً على اتباع بقية الاديان والمذاهب، وحتى ان بعض العلماء والمفكرين المسيحيين وصفوه بانه كان (مسيح العصر) وكان نموذجاً لصلابة وعدم مساومة عيسى بن مريم عليه السلام. ومن وجهة نظر مجلة (اوبزرفر) الاسبوعية (ان الامام الخميني كان رجلاً كبيراً دعي الناس مثل الانبياء القدماء لاتباع المبادئ الدينية. وكانت دعوته ورسالته للناس تبين اخلاصه في العقيدة وانتهاج الحياة البسيطة ازاء تعقيدات ومكونات الغرب وهذا هو سر نجاحه وسر شعور اتباعه بالفخر).

كما أن شبكة تلفاز بي بي سي ابدت وجهة نظرها في هذا المجال   وقالت: ( ان ما حدث في ايران عام  1979 كان نقطة عطف ليس للإيرانيين فحسب وانما لجميع الاديان السماوية في العالم ، نقطة عطف تحكي عن عودة الملايين من البشرية في جميع انحاء العالم الي العقيدة والمبادئ الدينية وحسب تعبير هذه الشبكة:(في انحاء العالم التجأ بقية اتباع الاديان مثل المسيحية واليهودية والهندوسية ايضاً الي العقيدة والمبادئ المذهبية ، وحتي في تركيا ايضاً التي كانت قد دخلت قبل 70 عاماً في حرب ضد الدين نلاحظ ان عملية العودة  الي الدين اخذت تزداد فيها بسرعة.

وفي هذا المجال يشير اية الله مصباح اليزدي في معرض اشارته الي موضوع محاربة الدين والاتجاه الالحادي في اوروبا والغرب خلال القرون الاخيرة والذي امتد الي بعض البلدان الاسلامية مثل إيران في زمن الحكم البهلوي قائلاً: (ان اهم انجازات حركة الامام الخميني كانت احياء الدين والتدين في العالم بحيث ان بركة هذه الحركة لم تشمل اتباع الدين الاسلامي فقط وانما ادت الي عودة الحياة للأديان الأخرى مثل المسيحية ايضاً وبالتالي ازداد الاتجاه الي الدين والتدين بين جميع الشعوب الأخرى ايضاً).

كما اشار اية الله مصباح اليزدي ايضا الي تصريح بطريرك مسيحي من المكسيك عندما التقي به حيث قال البطريرك: (ان هذا الفخر خاص بكم حيث استطعتم ان تحيوا الايمان في العالم والافضل من ذلك قد مزجتم بين موضوع ادارة البلد والتدين فنحن المسيحيون لا نستطيع ان نحفظ الايمان بين الناس وذلك لان الناس قد فقدوا ثقتهم بنا والأسو من ذلك لم نتمكن من المزج بين التدين وادارة البلد. كمل تحدث بعض المسيحيون عن مدي تأثرهم العميق بمكانة وعظمة وصبر وحلم الامام الخميني في اول لقاء لهم بالإمام. وحسب تعبير ميشيل فوكو عالم ما بعد الحداثة الفرنسي: (ان الامام الخميني منادي المعنوية والروح الجديدة لعالم قد فقد معنويته وروحه في عصرنا الحاضر).

الاجماع بين المعنوية والحكم

في القرون الجديدة وما قبل انتصار الثورة العظيمة للإمام الخميني كان امكانية الاجماع بين المعنوية والحكم في الشرق والغرب اسطورة وامراً مستحيلاً. ومثل هذه العقيدة وهذا الفكر كان مهيمناً ليس على الرأي العام فحسب بل كانت جميع النصوص الاكاديمية والجامعية في مجال السياسة متفقة على ذلك. بحيث ان (برنارد واندوبل) صاحب اسطورة خلية النحل في الغرب الذي يعتبر من اوائل وطلائع تيار الحداثة الغربية يقول: (ان الاخلاق منفصلة عن الحكم وهاتين المقولتين لا تتلائم مع بعضها ابداً ولا يمكن ادارة المجتمع والحكومة بما يطرح في موضوع الاخلاق باسم الفضيلة الخلقية). كما يصرح بانه إذا كان من المقرر ان يكون جميع الناس من اهل الزهد والتوكل والايثار والشجاعة فلا يعد بالإمكان بناء نظام اجتماعي وتشكيل حكومة. فالمجتمع خلافا لهذه القيم وانه ينبي على ما يطلق عليه اسم الرذيلة). وفي الواقع ان التقدم والتنمية والاعمار ورفاه المجتمع يحصل عندما لا يكون الناس من اهل الكرم والانفاق والتضحية، وانما بالعكس يحصل عندما يكون الناس من اهل الطمع والحسد والانانية وعدم القناعة بالقليل. ففي مثل هذه الظروف يمكن ان يعيش الانسان اجتماعياً. كما ان الفلسفة السياسية الحديثة ايضاً ترتكز على هذه الفرضية ايضاً وعلى اساس ذلك تشكلت ثلاثة مذاهب وهي الماركسية والليبرالية والفاشية كنتيجة للحداثة الغربية في القرن الماضي وفرضت سيطرتها الخبيثة على العالم. وقاموا بالتنظير لأكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية باعتبارها مكاتب لتوجيه الحروب وسفك الدماء.

الا أن الامام الخميني اربك هذه المعادلة والموازنة وغيرها وفي الحقيقة تحدي الغرب والحياة الغربية ذات الاتجاه الاحادي من خلال طرحه مشروع الحياة المعنوية والباطنية للبشرية وتقديم نموذج دقيق وفاعل باسم الجمهورية الاسلامية وأعلن بان الاجواء الالحادية وغير المعنوية للغرب لا يمكن ان تستمر للأبد، وان الانسان الغربي سيتعب يوماً من الحياة  في الاجواء المادية وانه سيضطر لا مناص بالاتجاه الي المعنوية، والحقيقة ان الانسان اليوم يتجه نحوا نهاء فترة انفصال المادية عن المعنوية ،المادية التي اوصلت الانسان الي نفق مسدود ، والان حان زمن تعتبر فيه النشاطات المادية استعداداً لرقي تسامي الانسان معنوياً ونفس هذا الفكرة ستعيد اليوم أو غداً البشرية الي الدين. فالإسلام دين يتمكن من خلال تنظيم النشاطات المادية ان يفتح المجال للرقي المعنوي للإنسان.

تأسيساً على ذلك لم تعد العلمانية اليوم كنظرية غير مرغوبة فسحب وانما يعتقد اصحاب النظريات في الغرب ان ما يهدد الثقافة الغربية هي العلمانية بذاتها. وقد اعترف بريجسنكي بذلك حيث قال: (ان العلمانية اللا دينية السائدة على انحاء الغرب، تربي في داخلها دمار الثقافة الغربية وبالتالي فان ما يعرض قوة اميركا العظمي الي الزوال هي نفس هذه العلمانية اللا دينية. ويعتبر السبيل الوحيد للتخلص من هذه الازمة هو احياء عنصر الدين).

مواجهة الافكار والإيديولوجيات السائدة وتغير النظام الدولي

ان التأثير العميق لأفكار الامام لم تكن محدودة قي البعد النظري والفكري، وانما تركت تأثيرها على الصعيد العملي ايضاً وتمكنت من تغيير التوازن الموجود في النظام الدولي وتحدي المتطلبات السائدة على النظام الدولي بحيث ان هنري كسينجر مستشار الرئيس الاميركي في عقد السبعينات يعترف ويقول: (ان اية الله الخميني جعل الغرب يواجه أزمة حقيقية في مجال التخطيط، وكانت قراراته صاعقة الي درجة سلبت اي نوع من الفكر والتخطيط السياسي من السياسيين والمنظرين للسياسة. ولم يكن أحد يستطيع ان يتكهن ماهي القرارات التي يتخذها، اذ كان يتحدث ويعمل بمعايير اخري غير المعايير المعروفة في العالم. ويبدو كأنه يوحي اليه من مكان اخر، وان عداء اية الله الخميني مع الغرب ناجم عن تعاليمه الالهية وحتى انه كان خالص النية في عداءه ايضاً).

وتكتب صحيفة تايمز اللندنية في وصف سماحة الامام: (ان الامام الخميني كان رجل سحر الشعوب بكلامه، فقد كان يتكلم بلغة عامة الناس وكان يزرع الثقة في قلوب مؤيديه الفقراء والمحرومين. وهذا الشعور جعلهم قادرون على ازالة كل من يقف في طريقهم، وقد برهن للناس بانه حتى يمكن الوقوف امام قوي مثل اميركا دون الشعور بأي خوف). كما تمكن الامام من نقل جرأة توجيه النقد والوقوف يوجه القوي العظمي. الي بقية قادة العالم وشعوب البلدان وينتقدوا اداء النظام الدولي. كما ان هزيمة وفشل القوي العظمي وخاصة اميركا في ادارة التطورات في إيران قد برهن لجميع الشعوب بان قدرتهم وقوتهم كبيرة جداً يمكن الاعتماد عليها.

وكانت رسالة الامام الخميني الي غورباتشوف في الواقع نقد علي التغيرات الطموحة والحصرية للحداثة مع وجود فروق بين اليمين واليسار حيث انهم كانوا يظنون بأنه لا يمكن ان يحدث أي تطور في العالم وأي تغيير علمي او اجتماعي او شعبي الا علي اساس المعايير الغربية، فالإمام في هذه الرسالة يبين آفاق تغيير المفاهيم في العالم والادوار في المستقبل القريب وهي:1- انهيار الماركسية والشيوعية وذهاب هذه الرؤية الي متاحف التاريخ. 2- تنامي العقيدة بالله عزوجل والتدين بين الشعوب العالم.3-تحرر الثوار في العالم من الحصار الحديدي للتغيرات الماركسية والنظريات الثورية اليسارية.4-فراغ يوتوبيا الرأسمالية الغربية.5- ضرورة اعادة النظر في ادراك بعض المفاهيم مثل: الله، الدين، الحديقة الخضراء لعالم الغرب، الانحطاط والنفق المسدود، مبدأ الوجود والخلق ، سجون الغرب والشيطان الاكبر ، التخيلات الماركسية ، المعقول والمحسوس ، الرقي والتطور ، الانسان والحيوان ، الفراغ العقائدي ، النظام العالمي و…

الحقيقة هوان الاتجاهات الدينية التي هي على وشك الظهور اليوم في المجتمعات الحديثة هي بادرة مفعمة بالأمل تبشر بنوع من الوعي والادراك لدي شعوب هذه البلدان ومما لا شك فيه ان الاجتماع العظيم للسود في الولايات المتحدة الاميركية في عام 1995 في واشنطن وانطلاق صوت وصرخة الله أكبر بقوة امام البيت الابيض (مقر الرئاسة الاميركية) تعتبر دليل مبارك علي نهضة معنوية واخلاقية في قلب اخدي المجتمعات الحديثة.

النهضات الاسلامية وحركات التحرير المعاصرة

ان حياة الحركات والنهضات الاسلامية المعاصرة مدينة للثورة الاسلامية بقيادة بقيادة سماحة الامام (ره) وذلك لان ثورة سماحة الامام (ره) وهبت حياة جديدة للإسلام والمسلمين وانقذتهم من العزلة والذل، وبرهنت عجز الماركسية والليبرالية والقومية في ادارة وهداية المسلمين، وطرحت الاسلام بعنوان الحل الوحيد للحياة السياسية للمسلمين.

ويصرح سماحة قائد الثورة في هذا المجال: (رغم مرور أكثر من 150 عاماً من التخطيط الحديث والشامل ضد الاسلام، قد حدث اليوم حركة اسلامية عظيمة في جميع انحاء العالم، حيث ان الاسلام استعاد حياته من جديد في افريقيا وآسيا وحتى في قلب أوروبا وإدرك المسلمين شخصيتهم وهويتهم الحقيقية.

يعتقد الامام الخميني(ره) ان الغرب يحاول فرض سيطرته الثقافية على الشرق وهذه السيطرة ستؤدي بلا شك الي انهيار النظام الثقافي للمجتمع الشرقي. وبرأيه ان اصلاح المجتمع ينبغي ان يبدأ من الاصلاح الثقافي لذلك المجتمع. واسلوب الاصلاح الثقافي الذي قدمه الامام لعالم اليوم هو في الحقيقة انموذج وقدوة من التطور الثقافي في ظل الالتزام الثقافي. من هنا ان الجدال المنطقي للإمام الخميني (ره) ضد الغرب كان يرتكز دائماً في مسير خاص يؤكد على حفظ وصيانة الاستقلال الثقافي. ومن وجهة نظر الامام ان مكافحة الثقافة الغربية الي جانب التطور الثقافي في إطار الثقافة الشرقية ينبغي ان يؤدي الي الاستقلال الثقافي. حيث يقول سماحته: (في النهاية ينبغي ان تتغير الثقافة وان تتبدل الي ثقافة سالمة والي ثقافة مستقلة وثقافة انسانية). فالثورة الاسلامية من جهة أدت الي اتجاه شعوب العالم الي الدين ورقي الاتجاهات المعنوية وتضعيف الافكار المادية، كما أدت من جهة أخري الي تبدلها الي قدوة لنضال الشعوب المظلومة في مختلف انحاء العالم.

الاستنتاج

ان ثورة الامام (ره) قد تركت تأثير وتطورات كبيرة ومذهلة على العالم الغربي من الناحية النظرية والعملية. وكما تفضل سماحة القائد المعظم بأن الامام (ره) مبشر العهود الجديدة لتاريخ الحياة البشرية بحيث ان المطالب المعنوية للبشر والاتجاه الديني والمذهبي للإنسان سيظهر جلياً أكثر من العهود الماضية والقرون العديدة الاخيرة. طبعاً: ان الامام الخميني لم يكن نبياً جديداً، لكنه كان من المذكرين ومن المخاطبين بكلمة (أنت مذكر) الذين ذكروا الناس بعهدهم وميثاقهم الفطري مع الله عزوجل…وبعد مرور عدة قرون من هبوط البشرية بصورة عامة قام مثل اسلافه من ابراهيم واسماعيل ببداية عصر جديد من التدين بعد اجتياز مرحلة من الجاهلية. من هنا يجب ان نطلق على هذا العصر الجديد عصر الإمام الخميني (ره) وأن تكون هذه الفترة من عصر الامام الخميني عصر الاسلام وعصر تفوق القيم الالهية والمعنوية فهذه الفترة وهذا العصر هو عصر الامام الخميني وسيري شبابنا ان شاء الله هذا المستقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى