ثقافة

الأهداف الاستراتيجية الخمسة للإمام الخميني

الكاتب: علي بيرانوند – ترجمة الأبدال

رغم ان بعض علماء الدين الاسلامي قد اشاروا منذ فترة طويلة اشارة عابرة في احكامهم الفقهية الي ضرورة التمتع بالقدرة والسلطة من اجل تنفيذ الاحكام الاسلامية، لكن يمكن القول وبجرأة بانه لم يتجرأ احد مثل الامام الخميني (ره) ان يتخذ مثل هذه الاستراتيجية ويعد العدة من أجل تطبيق هذا المشروع وان يربي الافكار والقوي والكوادر اللازمة لها.

في الواقع ان عرض وشرح الابعاد والجوانب الوجودية للإمام الخميني (ره) ليس بالأمر السهل فأعمال وافعال هذا الرجل الثوري الشجاع منشأ للخير والبركة للمجتمع الاسلامي بحيث يمكن الادعاء وبجرأة بانه بعد عصر وزمان اهل البيت (ع) لم يستطيع أحد ان يترك تأثيراً علي المجتمع الاسلامي الي هذه الدرجة وان يحيي آمال الاسلام المحمدي الاصيل في المجتمع والعالم الاسلامي. فهذه الشخصية المتعددة الجوانب والابعاد تمكنت من خلال طرح نظرية ولاية الفقيه وتشكيل وتأسيس الحكومة الاسلامية وادارتها ان يبث الامل والنور والحياة في كيان المجتمع الاسلامي ويدب الروح فيه، وحتی ان بعض الفلاسفة المعاصرين أعلنوا بصراحة ان احياء اسمه وذكره هو احياء لاسم وذكر وثقافة اهل البيت (عليهم السلام)، وذلك لان الطريق والاشواط التي قطعها من اجل تأسيس الحكومة الاسلامية وتأصيل المبادئ والواجبات الدينية والاجتماعية كانت حركة على صعيد احياء ثقافة اهل البيت (عليهم السلام).

جوانب مذهلة من الابعاد الوجودية للإمام الخميني (ره)

كانت شخصية الامام الخميني (ره) شخصية شاملة اكتسبت مستويات اخلاقية وعرفانية وفقهية وسياسية واجتماعية وادارية ورغم تواضعه وبساطته وقف علي اكبر موقع لإدارة شؤون البلد واربك جميع الموازنات والمعادلات المعقدة للعالم الرأسمالي.

الجانب الاول: البعد او الجانب العلمي

ان أحد جوانب وجود الامام الخميني هو المساعي والجهود التي بذلها من اجل اكتساب العلوم والمعارف الاسلامية وبلوغه درجة ومستو راق من المعرفة والفكر الاسلامي. وعندما ندرس حياة وسيرة العلماء العظام والكبار للتاريخ الاسلامي فانه على رغم الاعتراف بمكانتهم في المجتمع، الا اننا نراهم لم يبلغوا المرحلة التي بلغها الامام الخميني (ره).. اذ كان الامام (ره) يقف في طليعة العلماء في اربعة فروع علمية اساسية في الحوزة العلمية، كعلم الفقه، ومبادئ الفقه والفلسفة والعرفان الاسلامي. وكان من بين أفضل الخبراء واصحاب الرأي في هذه العلوم. وفيما يتعلق بمستوي المحاضرات العلمية للإمام الخميني(ره) ودروسه يقول اية الله الي مصباح اليزدي: في عام 1952م ولمواصلة دراستي شاركت في أحد محاضراته التي كانت تقام في مسجد محمدية (في مدينة قم) فوجدته انه الافضل سواء من حيث اسلوب التدريس واسلوب الخطاب والتعبير حيث كان كلامه بليغ جدا، اومن ناحية تنظيم المواضيع، حيث كان يعرف قراءة افكار الاخرين ودراستها ونقدها.

جانب العرفان العلمي والاخلاقي

رغم ان الامام (ره) كان قد بلغ مرتبة ودرجة عالية من الناحية النظرية الا انه كان قد بلع مراحل عالية علي صعيد العرفان العملي وكذلك الاخلاقي وهذا الامر يبرز جلياً في سيرته العلمية والسلوكية، وكذلك في كتبه. وبما أن سماحته كانت لديه أعمال ثقافية وسياسية واجتماعية ودولية كثيرة، الا ان هذه الامور لم تجعله ينسي او يتهاون في شؤونه الاخلاقية والعرفانية بحيث يمكن القول بأنه كان احد المصاديق الواضحة لهذه الآية حيث يقول سبحانه وتعالي: «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّکَاةِ ۙ یَخَافُونَ یَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ» والحقيقة أنه اذا اراد شخص ما دراسة الشخصية العرفانية للإمام نلاحظ أن أحد جوانب وجوده وكينونته الذاتية هي التركيز علي عبوديته لله عزوجل.

الجانب الثالث: البعد السياسي والاجتماعي للإمام (ره)

يمكن القول وبجرأة بانه بعد نهاية عصر وزمن تواجد اهل البيت (ع) لم يدخل شخصية في التاريخ الاسلامي بحجم وعظمة الامام الخميني الي عالم الادارة السياسية والاجتماعية، فرؤيته الادارية والسياسية كانت نابعة من حياته التوحيدية المفعمة بالتقوي، فليس من السهل ان يصبح انسان بلغ مرحلة عليا في القضايا والابحاث الفقهية والاصولي وكذلك في الابحاث العرفانية الشاقة والمعقدة، رجلاً خارقاً في تاريخ الادارة السياسية، فإدراك هذا الامر ليس بعمل هين. ففي مرحلة من الزمن الذي لا يستطيع فيه الانسان ان يحدث أقل تأثيراً في محيطه، تمكن الامام الخميني برؤيته التوحيدية وادارته السياسية الذكية ان يقوم بعمل لم يدهش العالم الاسلامي فحسب، لم أن عالم الرأسمالية والعلماني اندهشت من قدرة نفوذه وتأثيره.

وفي الحقيقة يمكن القول بأن الادارة السياسية للإمام الخميني (ره) قد دمرت اسس الفكر العلماني الرأسمالي وقدمت رؤية ومشروع جديد من النظام العالمي الي البشرية والعالم نظام عالمي يحاول تعزيز وارساء اسس الحضارة الاسلامية، نظام جديد يسعي الي الدفاع عن حقوق المظلومين ، والوقوف بوجه المستكبرين والمتغطرسين المهيمنين علي العالم. فقبل الثورة الاسلامية لم تجرأ اي قوة في العالم علي الوقوف امام القوي العظمي مثل المعسكرين الشرقي والغربي ومواجهتهما. الا أن الامام الخميني (ره) استطاع من خلال فضح الغرب وبيان حقيقته ان يطرح موضوع الايمان بالاستقلال وبالحرية والاعتماد علي الطاقات الانسانية والاسلامية بحيث انه كان يسعي من خلال هذا الاتجاه الالهي ان يطبق مبادئ الايات الالهية عملياً علي صعيد ادارة العالم. فَمَنْ یَکْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَیُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (سورة البقرة، 256)

ان الامام الخميني (ره) كان عالماً فقهياً وعارفاً مجاهداً ثار من أجل تحقق الاهداف الالهية وليس من أجل تحقيق بعض الرغبات المادي والدنيوية؛ وكان يريد ان يهيمن نمط الحياة التوحيدية علي جميع أرجاء العالم.

الاهداف الاستراتيجية للإمام الخميني (ره)

الهدف الأول: تشكيل الحكومة الاسلامية

رغم أن بعض علماء الدين الاسلامي قد أشاروا منذ فترة طويلة اشارة بسيطة وعابرة في احكامهم الفقهية الي ضرورة التمتع بالقدرة والسلطة ومن اجل تنفيذ الاحكام الاسلامية، لكن يمكن القول بجرأة بأنه لم يتجرأ أحد مثل الامام الخميني (ره) أن يتخذ مثل هذه الاستراتيجية وان يقوم من أجل تنفيذ هذا المشروع بتربية الافكار والكوادر والاليات لتنفيذها. هذا في حين ان طرح الخطة المدهشة لتشكيل الحكومة الاسلامية من خلال ابحاثه مثل بحث ضرورة ولاية الفقيه في دروسه الحوزوية. والي جانب تربية القوي والكوادر الفكرية والثقافية فام بالتمهيد للمطالبة العامة لتقديم هذا المشروع الاسلامي. اذ كان الامام الخميني 0ره) يعتقد ان لم تكن هناك حكومة وقدرة الاسلامية فلن يكون هناك أمل لاسلمة القوانين التنفيذية في البلد. وطبعاً قد جاهد الامام الخميني (ره) كجندي مجاهد لما يقرب حوالي ربع قرن من حياته من أجل تحقيق هذا الهدف.

الهدف الثاني: احياء العدالة الاجتماعية ودعم المحرومين والمستضعفين

أحد الاهداف الاستراتيجية المدهشة للإمام الخميني التي استرعت انتباه العالم، هو محاولاته لإضفاء طابع مؤسسي للعدالة الاجتماعية ودعم المظلومين والمستضعفين وتأمين حقوقهم. والحقيقة ان المطالبة بتطبيق العدالة كان أحد الشعارات الاساسية والاستراتيجية للأمام الخميني وبهذه المفردة (العدالة) قد تحدي الامام (ره) بقوة النظام الطاغوتي ونجح في النهاية بتحقيق ما كان يصبو اليه. وكان القرآن هو الخلفية الاساسية وراء الهدف الاستراتيجي للإمام الخميني في مطالبته لتحقيق العدالة. حيث تم الاشارة الي الهدف الاستراتيجي في القرآن ايضاً: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (سورة الحديد: 25)

الهدف الثالث: الجهاد ومحاربة الطاغوت

خلافاً لاستراتيجية جميع الثورات التي نشبت في التاريخ، كانت رؤية الامام الخميني رؤية تتجاوز الرؤية الجغرافية والاقليمية المحدودة. ويمكن اعتبار دفاعه عن الشعب الفلسطيني المظلوم خير دليل علي رؤيته هذه. فالإمام كان يؤمن بايات الله عزوجل وكان يعتبر الدفاع عن المظلومين ومقارعة الظالمين والطغاة جزء لا يتجزأ من واجباته الدينية والالهية وكان راسخ العقيدة في هذا المجال؛ وذلك لانه كان يعتبر هذا الهدف الاستراتيجي من الاوامر الالهية والقرآنية، لذلك تحمل وبرحابة صدر أكبر المخاطر والصعاب من أجل هذا الهدف وهذا الامر الالهي. «وَمَا لَکُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْیَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْکَ نَصِيرًا».(سورة النساء: آيه 75).

الهدف الرابع: خلق روح الوحدة والتضامن الاسلامي

كان الامام الخميني (ره) يعرف جيداً بانه هناك حاجزاً قوياً ومدمراً يقف امام تحقيق الآمال السامية للثورة الاسلامية، يتمثل بالتشرذم والانقسامات والخلافات بني التيارات والمذاهب الاسلامية. من هنا سعي من خلال الاستعانة بالآيات القرآنية ان يزيل هذا الحاجز وهذه العقبة المدمرة من امام التطلعات الالهية للثورة. وتأسيساً علي ذلك بذل كل مساعيه وجهوده من احل خلق الوحدة والتضامن بين المجتمعات الاسلامية حيث كان يعتقد بأنه يمكن مواجهة الاستكبار العالمي من خلال الوحدة والتضامن.

الهدف الخامس: احياء الحياة التوحيدية وتعزيز الشعائر الاسلامية

كان الامام الخميني عالماً فقيهاً وعارفاً ومجاهداً ولم ينهض من اجل القضايا الدنيوية والمادية وانما نهض وثار من اجل اهداف الهية. وكان يريد ان يكون نمط الحياة التوحيدية هو النمط السائد في العالم. نمط الحياة الذي لا يكون محدوداً في الاحكام الشخصية والفردية وانما نمط الحياة الذي يشمل ايضاً ممهدات العبادة والعبودية وتنفيذ وتطبيق العدالة الاجتماعية وقطع ايادي المستكبرين والطغاة في العالم من ادارة العالم، واحياء الشعائر والطقوس التوحيدية والالهية في العالم. وكان يسعي الي رفع راية الاسلام المحمدي الاصيل، الاسلام الذي يتبرأ من الاستكبار والظلم والطغيان والغطرسة ويسعي الي تحرير الانسان من قيود الشياطين.

تعليق واحد

  1. إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم تمسكوا بالعروة الوثقى عروة ولاية الفقية ولاية محمد وآل محمد اللهم صَل على محمد وآله الطاهرين وبهذه المناسبة ذكرى رحيل الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه وعلى كل من سار ويسير على دربه درب الاسلام المحمدي الاصيل أتشرف بتقديم التعزية لمقام ولي الله الاعظم أرواحنا له الفداء والمرجعيات العاملة المجاهدة والمجاهدين وللإمة الاسلامية لنجعل من الذكرى السنويةلرحيل السيد روح الله الموسوي الخميني حافزاً لنا على العمل الجهادي بكل طرقه الروحية والفكرية والجسدية بالبعدين الروحي والمادي ، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ، العنكبوت ٦٩، لكم مني خالص الدعاء وأطيب التحية والسلام برجاء الدعاء لي ولوالدي ولمن معي من المؤمنين ،

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى