ثقافة

الإسلام المحمدي الأصيل “منشأ التسمية وصحتها والإشكالات عليها”

مدخل ومقدمة

قال الله سبحانه وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا … يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما} سورة النساء – الآية 65

 هذه الآية المباركة ونحن في ولادة الرسول الأعظم، وفي سياق الحديث عن الإسلام المحمدي الأصيل تسبتطن هذه الآية المرتكزات الأساسية للإسلام المحمدي الأصيل.

 فالإسلام والإيمان – أيها الأحبة – هو أن نأخذ حكم كل حركة من حركاتنا وحكم كل سكناتنا ومواقفنا من النبي الأعظم، من واقع ما يريد صلوات الله عليه، ولا يكفي العمل بذلك بل لابد في قرارة أنفسنا أن نُسلّم أن هذا هو الدين وهذا هو المنهج وهذا هو الصراط القويم الذي ينبغي أن نسير عليه.

وفي آية أخرى يُبيّن الباري تبارك وتعالى أن هذا الرسول العظيم أرسل للبشرية جمعاء، وإرساله للبشرية جمعاء انطلق من كون المُرسِل هو العالِم بكل شيء، هو القادر على كل شيء، هو الذي يعلَم مَنْ خَلَق وكيف خلقَهُ وإلى ماذا يحتاج إليه.

فيكون الإسلام الحقيقي باتباعه واتباع تعاليمه واتباع نهجه وسيرته.

قال الله سبحانه وتعالى في “سورة الأعراف: 158”: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} خطاب لجميع البشرية ولم يخصص للمؤمنين، فينبغي للإنسان المسلم والمؤمن بحقيقة الإيمان والإسلام أن يسلّم حينئذ ويفتخر بأن دينه ومنهجه جاء من قبل رسول ينتسب إلى خالق السماوات والأرض، إلى جبار السماوات والأرض إلى من يحيي ويميت، ولا ينتسب إلى منهج وإلى قانون صنعه بشر من مثلنا.

{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} هذا الرسول لم يكن عنده من وسائل المعرفة المتفوقة في زمانه، وإنما وظيفته من عند الله سبحانه وتعالى الذي سمك السموات والأرض ورسوله النبي الأمي وهو الذي يؤمن بالله.

{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} هذا هو باختصار الإسلام المحمدي الأصيل.

نقاط أساسية في المحور

  • النقطة الأولى: مُطلِقُ هذا المصطلح

الجميع يعلم أن السيد الإمام الخميني في أواخر حياته وقبل سنتين من رحيله، بدأ في استعمال هذا المصطلح (الإسلام المحمدي الأصيل) وقابله في بياناته وخطاباته بـ (الإسلام الأمريكي)، والملفت للنظر في هذا المقام، أن هذا المصطلح لم يكتبه الإمام في كتاب، وبيّن حدوده ومعالمه وما يرتكز عليه، وإنّما أكثر من استعمال هذا المصطلح في خطاباته وبياناته.

والملفت للنظر هنا أن مضمون هذا المصطلح وحدوده كان واضحاً لديه من البداية، لا أنه تدرج عنده، فعادة الإنسان في البيانات والخطابة إذا أراد أن يُكوّن نظريةً وأراد أن يكون مصطلح ويبدعه في البيانات والخطابات يدلل عليه بالتدريج، وتتأسس عنده الأفكار والحدود بشكل تدريجي بحسب مراحل الزمان، إلا أن المراجِع لكلمات الإمام يجد وضوحاً في الرؤية، والمرتكزات عنده منذ بداية إطلاقه لهذا المصطلح كان تتكرر في أكثر بياناته وخطابته، وقبل إبداء المصطلح كان مضمون هذا المصطلح بمرتكزاته وحدوده واضحاً قبل انتصار الثورة الإسلامية المباركة، وإن لم يسمّه بعد بهذا المصطلح الذي نحن بصدد الحديث عنه، مما يدلّل على أن هناك نهجاً واضحاً وطريقاً مستوعباً عنده رضوان الله تعالى عليه منذ البداية ومنذ بداية حركته السياسية.

ولا أكون مبالغاً لو أدعيت هذه الدعوى: أن هذا الاصطلاح بما يشتمل على حدود ومرتكزات يُعدّ من أهم المشاريع السياسية التي قام بها الإمام الخميني في حياته.

وإذا قلنا أن هذا المصطلح بتوضيحاته ومرتكزاته يعادل تأسيس الجمهورية الإسلامية لا أكون مبالغاً، وهذه دعوى لابد أن نبرهن عليها.

إلى هذه الدرجة ركّز الإمام الخميني على هذا المرتكز بحيث إنه في بعض لقاءاته مع شباب التعبئة في الجمهورية الإسلامية يستعمل أداة الحصر، يقول لا ينبغي إلا أن تركزوا على شيء واحد وهو أن تتعرفوا على حقيقة الإسلام المحمدي الأصيل وتميزوه عن الإسلام الأمريكي، فالمتصور في مَنْ كان في مقام السيد الإمام ويتكلم مع شباب التعبئة والأجيال الشابة الشغوفة بالجهاد أن يحثهم على الجهاد، أن يستصرخهم للذهاب إلى جبهات القتال، إلا أنه يترك كل ذلك ويقول أنتم أيها الشباب ركّزوا على شيء واحد وهو أن تتعرفوا على الإسلام الحقيقي وأن تميزوه عن الإسلام الأمريكي.

فمن الواضح جداً أن مبتكر هذا الاصطلاح  ومطلق هذا الاصطلاح هو مفجر الثورة الإسلامية المباركة السيد الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه.

  • النقطة الثانية:  خلفيات اطلاق هذا المصطلح

فمعرفة هذه الخلفيات وبيئة إطلاق هذا المصطلح تساعدنا على معرفة أهميته وتحثنا على نشره وتوعية الناس به.

الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه عاصر فترتين من الاستعمار، وعاصر نوعين من أنواع الاستعمار:        

الاستعمار الأول: الاستعمار القديم

وهذا الاستعمار كان يتمثل بأن تأتي دولة أو كيان أو جماعة يتسلطون على دولة أخرى وتكون زمام الأمور بشكل مباشر بأيدهم فيحكمون الناس ويستفيدون من خيراتهم ويسلبونهم أقل ما بأيدهم من حقوق.

وهذا الاستعمار تربعت على سيادته المملكة التي لا تغرب عن حدودها الشمس وأعني بذلك بريطانيا، وتبعها على ذلك مجموعة من الدول كفرنسا والبرتغال وإيطاليا .. إلخ.

الاستعمار الثاني: الاستعمار الجديد

بعد التفجّر الصناعي في بلاد الغرب أرادوا أسواقاً لمنتجاتهم، وكان التسويق لمنتجاتهم لا ينفعه الاستعمار القديم لأسباب عديدة، فإن الاستعمار القديم مُكلفٌ لأنه يحتاج لانتشار الجيوش المستعمرة في البلاد التي يراد استعمارها، فيكلفهم جيوشاً وجهداً.

وبما أنهم يتعاملون مع المستعمَرين كخدم وعبيد عندهم، لن يستطيعوا أن يروجوا لصناعاتهم الجديدة، فيحتاج الترويج للصناعة الجديدة إلى شيء من الندية بين المجتمعات والدول، فاستبدلوا الاستعمار القديم باستعمار جديد، بأن نخلي البلاد من جيوشنا ومن قدراتنا المباشرة ونعيّن بدلاً عنّا من داخل تلك البلاد أشخاصاً هم من صنائعنا، تعلموا في مدارسنا، رضعوا من ثقافتنا، ينفذون رغباتنا، من دون أن نتكلف أي شيء، ونحن نمدهم بالحماية وهم يمدوننا بالأموال، ويكون سوقاً رائجاً لنا لبيع منتجاتنا الصناعية، فبدأ الاستعمار الجديد الذي عاصره الإمام الخميني وما زال هذا الاستعمار موجود في كثير من الدول لا سيما الدول العربية.

في الاستعمار الجديد لم يأتِ الغربُ ويفرض على الناس وعلى عملائه أن يغيروا الدين الذي يتبعونه؛ لأنه إلى ما قبل تأسيس الجهورية الإسلامية كان الدين في المساجد، كان الدين عبارة عن عمل فردي، لا يمس المجتمع بشيء لا من قريب ولا من بعيد، وركّزوا هذه الأفكار فيهم حتى لا تنتفض الشعوب انطلاقاً من بعدها الديني، فتكوّن هذا الإسلام.

وهذا الإسلام ينبغي أن نلتفت أن الإمام عندما قال (الإسلام الأمريكي) فهذا اصطلاح، ولا يقصد من ذلك حرفيّة التسميّة، فالإسلام الذي ترتب عليه بعض الشعوب في عصر بعض الخلافات والأمراء والسياسيين هذا  أيضاً بالمصطلح اسلام أمريكي وإن لم تكن أمريكا قد وجدت بعد؛ لأن الإسلام الأمريكي هو الإسلام الذي يتلون باللون الذي يراه صاحب السلطنة مصلحة له، والذي قال عنه المولى أبو عبدالله الحسين “… والدّين لعق على ألسنتهم يحوطونهم ما درّت منافعهم ومصالحهم، وما جلب لهم من نفع، وإذا محصوا بالبلاء قل الديانون”. 

فالإسلام الأمريكي الذي برز في عصر الاستعمار الحديث كان عبارة عن أن الدين  عمل فردي بين العبد وخالقه ولا مساس له بالأمة والمجتمع، ولا مساس له بالقيم الاجتماعية والسياسية.

في ظل هذه الأجواء عاش الإمام الخميني، فمن هنا نشأ هذا الاصطلاح، هذا الاصطلاح الذي يُعتبر في ذلك الزمن لا نتكلم عنه الآن فعندما يطلق هذا الاصطلاح  فإن أصحاب الإسلام المحمدي الأصيل اليوم ذلّوا أمريكا وذلّوا الغرب وذلّوا عملاءهم وذلّوا إسرائيل، والآن يُعتَبرون قوى عظمى ليس فقط في المنطقة بل العالم- فقبل 25 سنة عندما يطرح الإمام هذا المصطلح يعتبر بالاصطلاح الحديث وباصطلاح علم الاجتماع ثورة كوبرنيكيا “Copernicus”، فعندما جاء هذا العالم الغربي واكتشف أن الأرض كروية وأنها تتحرك وليست ساكنة ماذا ترتب على ذلك من أمور في علم الفلك وأمور في غاية الكثرة لازلنا للآن نستفيد من هذه الثورة العلمية.

يعتبر ابتكار هذا الاصطلاح تفجيراً لثورة معرفية سياسية، ولو لم يكن للإمام الخميني العظيم إلا هذا الأمر في الواقع لكفى.

في زمن كثر الخنوع في زمن لا يعرف الناس من الدين إلا المسائل الفردية وإلا في الإسلام لا يوجد مسائل فردية، حتى العبادة التي بيني وبين الله تنظر إلى الأمة وتنظير إلى الاجتماع، والأمثلة في ذلك في غاية الكثرة من العبادات التي يظّنها الناس فردية عبادة الصيام، آيات معدودة في الصيام تبدأ  من الآية 183 من سورة البقرة (لعلكم تتقون) (إن كنتم تعلمون) (لعلكم تشكرون) (لعلهم يرشدون) إلى أن تصل إلى تقوى الناس في الآية 187 (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) في البداية كان الكلام عن تقوى المؤمنين (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فالخطاب للمؤمنين، فهذا تقوى لطائفة خاصة، وفي ختام آيات الصوم عندما نمر بالعلم والشكر بتفعيل الطاقات والرشاد نصل إلى مستوى من هذه العبادة الفردية ننشر التقوى في المجتمع البشري.

حتى في أخص الأمور في أحكام الخلاء نلاحظ في آدابنا الإسلامية أنه يكره التبول في الماء الجاري لأنه يجري إلى قوم آخرين، حتى في هذه المسألة الشخصية لاحظ الدين الحالة الاجتماعية.

لكنهم فهمونا لسنين متمادية أن الدين عبارة عن علاقة فردية بين الإنسان وخالقه ولا أثر لها في المجتمع، ففي مثل هذه التغطية على العقل الجمعي للأمة الإسلامية أطلق الإمام الخميني + هذا المصطلح.

وهذا التأكيد عليه في السنتين الأخرتين من حياته في بيانات وخطابات كثيرة حتى عندما يريد أن يعزي بشخصية استشهدت أو ماتت يُقحم في داخل التعزيّة الإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الأمريكي.

كما في بيان التعزية الذي أصدره في تعزية الشهيد السعيد عارف الحسيني، فأقحم مسألة الإسلام المحمدي الأصيل، فقال:

(اليوم بعد أن عجز الاستكبار الشرقي والغربي عن المواجهة المباشرة مع العالم الإسلامي لجأ إلى تجربة أسلوب الاغتيال وقتل الشخصيات الدينية والسياسية من جهة، ونشر وإشاعة الإسلام الأمريكي من جهة أخرى، لأن الكثير من الشعوب الإسلامية لا زالت وللأسف لا تميز الحد الفاصل بين الإسلام الأمريكي والإسلام المحمدي الأصيل).

  • النقطة الثالثة: معنى المصطلح

لا أريد أن أدخل في مرتكزات هذا المصطلح ومقوماته –  لأنه أعطي لضيف آخر – وإنما أريد أن أبيّن معنى هذا المصطلح:

فإن هذا المصطلح يتألف من ثلاث كلمات:

– الإسلام – المحمدي – الأصيل.

فهويّة هذا المصطلح هو الإسلام، الذي انتقل من مؤسّسه النبي الخاتم، وفي الإسلام المحمدي توجد وجهات نظر متعددة، والخلافات الظالة في زمن الدولة الأموية والعباسة لعبت على ترويجها فلابد من إعطائها وصفاً يخرجها عن هذا التلون والغشاء الذي قد يكون براقاً لكنه في مضمونه السم الزعاف لتأتي الكلمة الثالثة لتقول الأصيل.

ذلك الإسلام الذي نتلقاه من المؤسس وقائد الأمة والذي أخرجها من الظلمات إلى النور، هذا هو الإسلام ولكن الواقعي الذي له أصالة والذي لا يتمحور في أن الأمة عبارة عن أفراد، وإنما ينطلق من أساس واقعيته، من أساس فكره وعقيدته، من أساس توحيده، لينعكس هذا التوحيد على مجتمع موحّد، وعلى مجتمع يحمل في كفة مشعل الولاء لله تبارك وتعالى ولم ينتسب إليه وفي كفة أخرى يحمل مشعل البراءة من أعداء الله سبحانه وتعالى.

وهذان المشعلان لا يمكن أن نخلط بينهما، بل نضع بينهما فاصلاً، فنميّز الولي من العدو، والصديق من العدو ونعطي كل ذي حق حقه.

هذا هو المصطلح: إسلام بما فيه من تسليم، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكّموك فيما شجر بيتهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) “النساء: 65”  إسلام بما يحمل في مضمونه من إخلاص، بما يحمل في مضمونه من عبوديّة، ومن ارتباط بجبار السماوات والأرض.

إسلام مهما تجبّر الجبابرة يقال لهم: (فاقضي ما أنت قاض أنّما تقضي هذه الحياة الدنيا).

إسلام ينسب إلى مؤسسه لا بمظاهر وبتأويلات وبتفسيرات خاطئة، بل إسلام يحمل الأصالة، الأصالة في كل جوانبه، ولذا نلاحظ أن الإمام رضوان الله تعالى عليه حتى عندما يتكلم مع الحوزيين في العلم والمعرفة كان يركز على الإسلام المحمدي الأصيل.

بل يرى أن علماء الحوزة لو قاموا بوظيفته اتجاه الإسلام المحمدي الأصيل وبينّوا للناس ما يقابل هذا الإسلام لما استشهد السيد عارف الحسيني، فيقول: (لوكانت الحوزات العلمية قد تصدت لهذه المهمة – التفريق بين الإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الأمريكي – لبقي سيدنا العزيز عارف الحسيني حياً) لأن النخب والشخصيات والقادة في الاستعمار الحديث المبتني على الخوف والجبن والاختفاء خلف الشعوب يحرّك الأدوات المحلية، وهذه الأدوات إنما عزاها الإسلام الأمريكي لأنها لم تجد من يأخذ بيدها، من يعلمها الإسلام الحقيقي.

فحينئذٍ نستطيع أن نقول: العلماء لو قاموا بوظائفهم اتجاه الإسلام المحمدي الأصيل لما قتل السيد عارف الحسيني لأهمية هذا المصطلح وهذه الحقيقة وهذه النظرية.

  • النقطة الرابعة: أهمية البصيرة في الحفاظ على الإسلام المحمدي الأصيل

وهي من النقاط التي نحن نعيشها، فبعد رحيل مؤسس هذا المصطلح الإمام الخميني وتولي زمام قيادة الأمة الإسلامية بيد السيد القائد الخامنئي حفظه الله بقي هذا المصطلح نيراً، لكنه بطبيعة الحال كثرت الألاعيب والحيل والأدوات من قبل الغرب ومن قبل اتباع الإسلام الأمريكي لتشويه هذه الحقيقة، فحينئذ ركز السيد القائد حفظه الله على مصطلح ديني موجود في تراثنا بإقحامه والتأكيد عليه – ولو قلت أنه في جميع خطاباته لم أكن مبالغاً – لأجل إبقاء الإسلام المحمدي حيّاً وأصيلاً ومركزا عليه بين النخب لتوضيح الأمر للشعوب والجماهير.

وهذا المصطلح الذي أكد عليه هو مصطلح البصيرة، هذا المصطلح باعتقادي لإبقاء ما أراده الإمام الخميني حياً، وهذه وظيفية النخب وعلى رأسها الحوزات العلمية والجامعات والمعاهد، فهؤلاء بيدهم توعية الناس وإيجاد البصيرة عندهم خصوصاً في هذا الزمن، في زمن الشباب المتعطش للجهاد ولتحمل المسؤولية، لكن هذا الاهتمام بالبعد العاطفي في هذه الأجيال لا يكفي، بل يحتاج معه كتوأم إلى بصيرة ووعي حتى لا تختلط علينا الأمور، فنميز بين الحق والباطل؛ لأن الوصول إلى الأهداف العظيمة ليس بسرعة السير وليس بالجد فقط، بل قد يكون سرعة السير والجد يوصلك إلى خلاف أهدافك كما يقول مولانا صادق آل محمد ’ السائر على غير بصيرة كالسائر على غير طريق لا تزيده سرعة السير إلا بعد. 

إذا لم يكن هناك بصيرة ووعي عند شبابنا الذي كان التطوير العاطفي فيه في أعلى قمته، وكانت الشجاعة عنده والقوة في أعلى هيجانها، إذا لم يكن هذا توأماً مع الوعي والبصيرة ربما يأتي هذا الشاب ويصرف طاقته وقدرته في غير ما يرضي الله، فالطاقة والقدرة عند الشباب هي آلة ووسيلة وتحقيق هذه الوسيلة للأهداف العظيمة الإلهية محتاجة إلى الوعي والبصيرة.

ففي هذا الزمن لتفعيل ما خطّه الإمام الخميني الراحل من التأكيد على التفريق بين الإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الأمريكي نحتاج إلى زرع الوعي والبصيرة في عقول شبابنا وفي قلوب شبابنا حتى لا يخدعوا؛ لأن وسائل الشيطان في هذا الزمن أكثر خطورة من وسائل الشيطان عندما أطلق الإمام الخميني ذلك الاصطلاح.

  • النقطة الخامسة: الإسلام الأمريكي

كما أشرت سابقاً، فإن الإسلام الأمريكي مصطلح موجود قبل أن يكتشف كرستوف كلومبس أمريكا، ففي زمن الدولة العباسية كان هناك إسلام أمريكي، وفي كثير من الأزمنة كان هناك إسلام أمريكي، والإسلامي الأمريكي هو الإسلام المتلوّن، لا أصالة فيه ولا ثبات، ففي زمن من الأزمنة كزمن الإمام الخميني كان الإسلام الأمريكي بفردية العبادة، (مالنا وللسياسة).

 وفي زماننا تمثل الإسلام الأمريكي بالتشدد والتكفير، حتى يبينوا للناس أن هذا الإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله ’ لا ينفع في هذا الزمن.

 ومن الغرائب فأي إنسان عنده عقل يأتي ويذبح شخصاً ويقطعه أو يحرقه ويصور ذلك وينشر ذلك في الإعلام ألا ترون معي أن هذا النشر يراد به هدف، وهو تشويه الإسلام، فهذا لون آخر من ألوان الإسلام الأمريكي.

وربما يأتي في المستقبل القريب لون ثالث، لا ثبات في الإسلام الأمريكي يتلون بحسب مصلحة الاستكبار وبحسب ما يريده المترفون في هذا العالم.

نسأل  سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل البصائر وأن نفرّق بين الإسلام الحقيقي الإسلام المحمدي الأصيل وبين الإسلام المتلوّن وإسلام المترفين وإسلام المستكبرين والإسلام الذي يتخذ المصلحة الشخصية قبلة له بأن يجعلنا من أهل الوعي والبصيرة، وأن يجعلنا من النخب التي تأخذ بيد الناس ليفروقوا بين هذين الإسلامين.

خاتمة

أريد أن أبين في ختام هذه الجلسة نقطة من خلالها أن شبهات واقعية حول هذا المصطلح لا توجد، وهذا الانتقاء من قبل الإمام الخميني لهذه الكلمات الثلاثة هو انتقاء مدروس، فهذا المصطلح لا يوجد فيه مذهبية، فلم يأتِ الإمام الخميني ليقول إن الإسلام الحقيقي هو الإسلام الشيعي، أو الإسلام السني أو الكذائي، أبداً.

هذا المصطلح استقطابي، وهذا المصطلح يرفض التفرقة لأنك إذا أردت أن تتكلم عن إسلام حقيقي في مقابل إسلام أمريكي في مقابل إسلام المترفين القائم على فرق تسد، لا يعقل أن تأتي في مصطلحك بلفظة واحدة توجب التفرقة.

لكن للأسف الأذناب والأدوات الذين تمثلت بهم إرادة الاستكبار ليحققوا الإسلام الأمريكي غاضهم هذا الأمر، فلم يجدوا مجالاً إلا للتشكيك  وإثارة الشبهات في هذا المصطلح، في داخل المذهب وخارجه.

 ففي داخل المذهب يقال: لماذا هذا الإسلام لا ينتسب إلى أهل البيت والحال أن الإمام الخميني في أحدى كلماته مع التعبئة وقبل رحيله من هذه الدنيا بأقل من سنتين يؤكد على أن الإسلام المحمدي الأصيل هو ذلك الإسلام الحقيقي الذي وصل إلينا عن طريق من عينهم الله أدلاء على الحق، هذا في مرتكزات الإسلام المحمدي الأصيل، ولا أحد يستطيع أن يزايد على هذا الإمام العظيم في ولائه وفي اعتقاده بأئمة الهدى سلام الله عليهم.

وأثيرت شبهات من خارج بيئتنا أيضاً، بل من بعض من لم ينتسب إلى الدين سلوكاً وعملاً، بأن هذا الرجل يريد أن يأتي بإسلام جديد من غير الإسلام الذي تعرفنا عليه بمذاهبه المتعددة.

هذه كلها شبهات واهية لا تصمد أمام المعرفة الحقيقة لهذه الكلمات الثلاث: إسلام نشأ من توحيد وعبودية لله، أخذ من مؤسسه العظيم وهو النبي الأعظم ’ من دون أن تلعب به أيدي النفاق والمغرضين فكان أصيلاً، فهو إسلام واصطلاح هو في وعي كل إنسان موحد بقطع النظر عن انتماءه المذهبي، فكل واحد عندما يؤمن بالإسلام يبحث عن أصالته ويبحث عن رغبة مؤسسه وعما أراده الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

فالتأمل في هذا المصطلح في كلماته الثلاث ينفي جميع الشبهات.


الكاتب: سماحة العلامة الشيخ معين دقيق العاملي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى