ثقافة

الضوابط الشرعية في استخدام شبكات التواصل الاجتماعية

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة النور – الآية 19

منصات التواصل الاجتماعي أداة يمكن للواحد منا أن يستعملها في الخير والشر لحظة بلحظة، الإشكال كل الإشكال فيما يرجع إلى هذه المنصات ما نعبر عنه “بفاتح الشهيّة” فالمشكل أن تنفتح شهية الإنسان على هذه المنصات يتعلق بها وببرامجها.

بداية قد ينفتح عليها ولكنه يملك أن يقنّن وقته وتصرفاته، ولكن هذه المنصات تأسر الإنسان شيئا فشيئا حتى فيما يرجع إلى الخير، لو أراد أن يستفيد منها وقد يحسب أنه على خير.

ينبغي أن يُتعامل بكل حذرمع هذه المنمصات، وليس الكلام لخصوص الصغار بل لكل من يريد الاستفادة منها ولو كان من الشيبة.

لحظة الانفتاح على إعلان إباحي مثلا هي لحظة، ولكنها لا تنتهي بل تفتح الباب على لحظات أخرى، ولا يعلم مقدار الخسف الذي تُحدِثُه في قلب وروح هذا الإنسان.

في الجانب الفقهي من هذا الموضوع أذكر عناوين خمسة على عجالة :

الأول: النظر إلى ما لا يحل

يرجع ذلك بدرجة أولى إلى علاقة بين الرجل والمرأة، تارة عبر محادثة كتبية أو صوتية أو عبر مجموعات أسرية تدخل فيها زوجة الأخ وابنة العم والخال وربما أوسع من ذلك.

من واقع ملموس جدا ومن واقع تجربة هذا النوع من العلاقة من شأنه أن يجرّ للحرام شيئا فشيئا؛ لأن المتانة والحياء بين الجنسين ينهدم شيئا فشيئا حتى لو لم يقصد المتعاملان (رجل وامرأة) شيئا محرما في البداية ولكن طُبع هذه العلاقة تجرّ للمُحرّم البسيط أولا ثم إلى المحرم الكبير، ولذلك فقهاؤنا يحدّدون الموضوع ابتداء بأنه يجر للحرام فيمنعون الحديث بين الجنسين إلا أن يعلم بعدم الانجرار للحرام.

أيضا هناك علاقة بين الجنسين غير مباشرة كتصفح الرجل لصور المرأة وبالعكس، قد تكون هي بلباس مفصّل للجسم كأن تكون مؤدية رياضة معينة وحركات معينة، وكذا الرجل ربما ينشر صوره بلباس رياضي قصير، وههنا يجب أن يفهم الرجل ماذا يراد له من نشر الصور فهذه فخوخ مقصودة من بعض الجهات.

  • من مصاديق إشاعة الفاحشة

كما أن نشر هذه الصور يصدق عليه أنه إشاعة فاحشة (الآية التي ذكرناها في البداية)

لا تقل أنا في قرارة نفسي لا أحب إشاعة الفاحشة، بل أنت بتصفحك أو نشرك لهذه الصور فإنك ممن يحب إشاعة الفاحشة، فالله سبحانه يتحدث عن المتطهرين في آية  (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) هم يتطهرون إذًا هم يحبون التطهر، ذيل الآية شاهد على أنهم يحبون التطهر؛ لأنهم متطهرون، هنا أيضا الكلام هو الكلام.

حتى نقل خبر عن فاحشة وقعت في مكان ما، نفس نقل الحادثة يدخل تحت إشاعة الفاحشة، كما أن ما تنشره الصحف يوميا من أخبار المحاكم هو من حبّ إشاعة الفاحشة؛ لأن هذا الفعل يؤدّي إلى استساغة الفاحشة عند الناس مع مرور الأيام وتكرّر مثل هذه الحوادث.

ولدك مثلا لو كذبت أمامه ولو لمرة واحدة لاستساغ الكذب طوال عمره.

الثاني: نقل الأخبار

“كما وصلني” أو “منقول” وينشر، هذا التبرير لا يعذّر أمام المولى ولا يخرجك عن المساءلة الشرعية حتى لو مرّ على الحادثة عشر سنوات، هذا يصدق عليه إشاعة فاحشة، أضف إلى ذلك أن هذا النوع من النقل يصدق عليه الكذب لأنه إخبار عما لا يعلم مطابقته للواقع ولم تقم حجة على أنه واقع، سيما إذا نقل الناقل الأسماء والمشخصات فإن هذا يكسر جسور التوبة للخاطئ، إذ هو مستور بذنبه فما زال باب التوبة مفتوحا له بيسر فربما يرجع ولا أحد يعلم عنه شيئا، ولكن لو فضحته فإنه يعود منبوذا بين الناس فعودته إلى ربقة المؤمنين صعبة جدا. ويا لها من خسارة لهذا الإنسان.

الثالث: آليات الإصلاح

بعض المؤمنين والطلبة أيضا يحاول الإصلاح في المجتمع، ونيته حسنة لكن فعله قد يصطدم بهذا المحذور، يلزم هؤلاء أن يصلوا إلى الغرض من دون الوقوع في محذور إشاعة الفاحشة. الدكتور مثلا قد يرى من صلاح المريض ألا يذكر له واقع مرضه كذلك الحال في المشاكل الاجتماعية، لا تعرض وقائعا ولا إحصائيات ولا توصيفا يهيئ الذهن لاستساغة الفاحشة ولو بطريق غير مباشر، فليس دائما طريقة الإصلاح تقتضي التفصيل في عرض المشكلة بكل جوانبها لتبدأ بعد ذلك بالعلاج وتقدير هذا التفصيل يحتاج إلى استشارات دقيقة في كل معالجة اجتماعية على حدة لأصحاب الخبرة من العلماء الواعين والخبراء بهذه القضايا.

الرابع: الخصوصيات

بعض الناس يفضح كل حالاته، يأكل ينشر، يشرب ينشر، يذهب هنا صوّر وهناك صوّر ونشر، يصور ملابسه ومسكنه وجميع خصوصياته، هذه الخصوصيات لا نقول يحرم نشرها ولكن فتح الخصوصيات لعامة الناس غير محبوب لدى العقلاء، ومن جهة أخرى نجد بعض الروايات تنهى عن إيذاء الجار حتى برائحة طعامك، فأنت تأكل طعاما شهيا وهو قد لا يجد طعاما، وهذه الحالة من نشر الخصوصيات قطعا تدخل تحت هذا المحذور وهو الإيذاء لمن ليس واجدا لما هو عندك.

البعض يكبر بنبله وأخلاقه وعمله ولكن بعض أهل الترف ينشر صوره حتى يكبر في أعين الناس ببيته وسيارته وأكله وتسوقه.

إذًا نشر حالة البذخ على وسائل التواصل إما تورث الحسرة عند البعض أو تورث الحسد والحنق عند بعض آخر كما عبرت الآية بمد العينين (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) وهذا النشر ربما يعرضك للسرقة من المتابعين؛ لأنهم صاروا يعرفون عنك كل شيء.

الخامس : حسابات الآخرين

هنا تأتي مسألة فضول الكلام وفضول النظر بلا حدود، يريد أن يرى كل شيء، يريد معرفة كل شيء، وأنت بلا وعي منك قد تساهم في رفعة هذا الشخص الذي يدعو لغير الله، بينما ترى هذا الآخر لا يعترف أصلا بحسابات المتدينين والداعين إلى سبيل الله بل ويحاربها.

أيها المؤمن هذا الحساب يريد الفتك بك ويخطط لذلك ليلا ونهارا، ثم أنت ربما تنحرف عن دين الله بنظرة أو فكرة واحدة من أمثال هذه الحسابات وهنا مكمن الإشكال في متابعة هذه الحسابات.


الكاتب: سماحة العلامة الشيخ علي الصددي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى