ثقافة

الأخلاق العملية ونجاح عملية التبليغ

{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا} سورة الأحزاب – الآية 39

التبليغ لا شك من أهم وظائف الأنبياء كما أكدت الآية، وأيضاً وظيفة من يقوم مقامهم كالعلماء، وواحد من مواريث النبوة هو إرث هذه الوظيفة.

الأخلاق جزء مهم في الجانب التبليغي، عن النبي (ص): إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. 

الآيات والروايات كثيرة في التحدث عن الأخلاق من قبيل الحديث عن الفضائل.

دور الأخلاق العملية في عملية التبليغ

القرآن أكد على الجانب العملي أيضاً في الأخلاق مثل {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أي أنك فعلاً وتطبيقاً على خلق عظيم، وقد استطاع (ص) اختراق الجدران السميكة عند جفاة وغلاظ العرب واستطاع نقلهم إلى الإيمان، {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فبالتطبيق لا التنظير لف الناس من حوله.

النبي ربى أهل البيت (ع) وخاصة أصحابه على هذا المستوى من الخلق العملي كي يؤهلهم لوراثة دور النبوة وأولهم الامام علي (ع).

فعن أمير المؤمنين (ع): وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة … وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل.. ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما.

الصديقة الزهراء (ع) أيضا رباها النبي (ص) على الخلق العملي فقد قالت: اعلموا أني فاطمة وأبي محمد، أقول عودا وبدوا ولا أقول غلطا  ولا أفعل ما أفعل شططا. 

موقف الإسلام من التقلب

حينما قدم الإسلام أطروحته في تأسيس الأخلاق العملية كذلك في المقابل ذم من ينظرون ويخالفون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.

في كل سنة يعقد معرض كتاب في لندن ويأتي الوهابية بكتبهم ومبلغيهم ويبلغون الإسلام على طريقتهم، وذات مرة تكلم أحدهم مع شخص بريطاني ففاجأه بالقول: أنتم من يخالف الإسلام، الإسلام يأمر بالصدق وأنتم تكذبون، والإسلام يأمر بالنصح وأنتم تغشون.

ولذلك نسب لبعض العلماء قوله: ذهبت إلى الغرب فوجدت اسلاما بلا مسلمين.  طبعا لم يجد عقيدة الاسلام ولكن وجد بعض أخلاق الإسلام.

وصية الأئمة على الأخلاق العملية في التبليغ

عن الإمام الصادق (ع): كونوا لنا دعاة  صامتين، قالوا: وكيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال: تعملون ما أمرناكم به من العمل بطاعة الله وتتناهون عما نهيناكم عنه من ارتكاب محارم الله وتعاملون الناس بالصدق والعدل وتؤدون الأمانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولا يطلع الناس منكم إلا على خير، فإذا رأوا ما أنتم عليه قالوا هؤلاء الفلانية رحم الله فلانا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وعلموا فضل ما كان عندنا، فسارعوا إليه، أشهد على أبي محمد بن علي رضوان الله عليه ورحمته وبركاته لقد سمعته يقول كان أولياؤنا وشيعتنا فيما مضى خير من كانوا فيه إن كان إمام مسجد في الحي كان منهم وإن كان مؤذن في القبيلة كان منهم وإن كان صاحب وديعة كان منهم وإن كان صاحب أمانة كان منهم وإن كان عالم من الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهم كان منهم فكونوا أنتم كذلك حببونا إلى الناس و لا تبغضونا إليهم.

عندما يأتي شخص ويخدع الناس فماذا يقال عنه ؟ ألا يذم الناس الدين نفسه ؟ أليس هذا الشخص يبغض الناس في أهل البيت (ع) ؟

العلاقة التي ينبغي أن تكون بين المبلغ والمجتمع

هناك نظرة متبادلة بين المبلغ والمجتمع، هم ينظرون إليه على أنه معصوم فاذا حدثت أدنى زلّة منه فإنها تسبب صدمة عند الناس عنه، حتى لو قدم المعمم ما قدم من جهود.

يجب أن تنعكس العلاقة: يجب أن يراقب المبلغ حركاته وسكناته كونه مرصودا من المجتمع، هو ليس معصوما ولكن يجب أن ينظر إلى نفسه كمعصوم ويوطن نفسه أنه في مقام ينبغي أن يكون معصوماً بقدر المستطاع.

هناك شعار في القوة البحرية يقول: إما أن تحب المجال أو تتركه.

ولذلك من يضع نفسه في هذا الموضع فليلتفت إلى عظم المسؤولية، وعقابها الشديد على تقدير انحرافه ومساهمته في إضلال الناس، فإذا لم يستطع تحمل هذه المسؤولية فليذهب لمهمة أخرى ينفع بها عباد الله.

وكذا يجب أن يخفف المجتمع حديّة النظرة إلى المبلغ، فهذا النبي (ص) يصفه القرآن بأنه بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وكذا في النظرة إلى المبلغ فلا ينظر إليه كونه معصوماً.

وهذا موضوع يجرنا إلى استشعار الرقابة الإلهية من الطرفين ففي الحديث: ما الإحسان ؟ فقال (ص):  أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك.

كلمة بارزة

من يضع نفسه في هذا الموضع فليلتفت إلى عظم المسؤولية، وعقابها الشديد على تقدير انحرافه ومساهمته في إضلال الناس، فإذا لم يستطع تحمل هذه المسؤولية فليذهب لمهمة أخرى ينفع بها عباد الله.

يجب أن يخفف المجتمع حديّة النظرة إلى المبلغ، فهذا النبي (ص) يصفه القرآن بأنه بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وكذا في النظرة إلى المبلغ فلا ينظر إليه كونه معصوماً.


الكاتب: سماحة الشيخ حسن التريكي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى