ثقافة

التغيّر والتغيير الثقافي

الثقافة عنصر من عناصر بناء المجتمع، فيذكر علماء الاجتماع أن لتكوين الحضارة عناصر منها البيئة والأرض، فالعنصر الجغرافي يكتسب جانبا مهمّا في البناء، ولكن مع ذلك فإن هناك عنصراً أهم من العنصر الجغرافي وهو العنصر الثقافي، ونحن سنتناول هذا العنصر في بناء المجتمع والحضارة.

العنصر الثقافي إما أن يتعرض لتغيير أو يتغير بنفسه، والمعنى الأول يتضمن فاعلا للتغيير وهو إما ايجابي أو سلبي، وبالمعنى الثاني يحصل التغيير بسبب الظروف المحيطة.

التغير الثقافي من الطبيعي أن تتغير ثقافة المجتمع بسبب الظروف الطبيعية كانعدام المياه والحصار الاقتصادي، كما تأثرت بلدان شرق آسيا بغربها بسبب التبادل التجاري وصار العامل الاقتصادي سبباً لدخول جماعات في الإسلام، ولكن كل هذا لم يكن مقصودا من أحد بل هناك ظروف اجتمعت أدت إلى تغيير ثقافي.

إحدى النظريات تقول إن حركة الإنسان دائرية تبدأ من الطفولة ثم تتصاعد القوة ثم قمة القوة ثم ضعف وموت، كذلك المجتمع له حركة دائرية، والقرآن الكريم أشار إلى حياة المجتمع ثم موته (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

  • –  وهناك نظرية أخرى ترى أن للمجتمع حركة تصاعدية وتنازلية وليست دائرية دائما.

التغيير المقصود

وهذه الطريقة تعني وجود فئة تتصدى لتغيير الحضارة مثلا سقوط الأندلس لم يكن حدثا صنعته الطبيعة، بل تدخلت فيه أيدي المسيحية فإنه بسبب فقدان عناصر المقاومة الثقافية عند المسلمين هناك تمكن العدو من التغلغل من هذه الجهة، فنشر الخمور وروج للعلاقة الجنسية المحرمة فحصلت حالة من الانفلات الأخلاقي وذوبان للإسلام، فانهزم أؤلئك الذين كانوا ممثلين للإسلام، وتحولوا إلى أشخاص منسلخين عن الدين ويقبلون أي دين وثقافة تطرأ ولذلك عادت المسيحية هناك بقوة ولم تزل.

طبعًا ليست الهجمة الثقافية اليوم والأمس مقتصرة على المسلمين بل هناك صراعات بين المتنفذين في العالم، وكل واحد يسعى للسيطرة على أكبر عدد وأكبر مساحة جغرافية عبر الحرب الناعمة والقنوات الفضائية، هناك دعوى عالمية لليبرالية وهناك دفاع مستميت عنها، فإنهم يعتبرونها حضارة يجب أن تبقى وتنتشر في العالم وإن الوقوف في وجهها خط أحمر.

لو رجعنا إلى التاريخ الاسلامي مرة أخرى وتحديدا في المجتمع الشامي زمن الدولة الأموية كانت الثقافة لها خط إنتاج واحد فقط وهو الحاكم الأموي ويمنع وجود أي طرف آخر، وكانت سياسته هي التجهيل إلى أبعد حد حتى كان الناس جاهلين بنبيهم وقبلتهم وإذا نظرت من هذا المنظار لا تجد غرابة في قولهم هل كان أمير المؤمنين (ع) يصلي حتى قتل في محراب الصلاة.

الدولة الروسية والغرب أيضا صراع قديم بين حضارتين والكل يسعى لبسط نفوذه وتغيير قناعات الآخرين بحسب ما يتبناه، وتؤسس في سبيل هذا الأمر مشاريع ضخمة من دراسات وبرامج إعلامية وغيرها.

إذا أردنا الحفاظ على صبغتنا الإسلامية فيجب التركيز على البعد الثقافي فإنه الضامن على مستوى بعيد لبقاء الشريعة الإسلامية معلماً واضحاً في المجتمع، المقوم الأساسي للثقافة الإسلامية هي العبودية لله، أما المقوم الأساسي للثقافة الغربية هي الحرية الشخصية، وهذا ما لا يمكن الجمع بينهما؛ لأنك حينما تدعو أحداً إلى أمر حسن انطلاقا من المبادئ الإسلامية فإنه يرجع إلى مبدأ الحرية الشخصية (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ).

عاملان مهمان في مقاومة التغيير الثقافي

  1. . الوعي: هل أنت مستهدف في التغيير الثقافي؟ لماذا تُعطى بعثة للخارج ودراسات مجانية؟ ما القيمة التي تحملها ويسعى الغير لانتزاعها منك ؟ لابد من إثارة أسئلة تؤدي إلى البحث وصناعة الوعي.
  2. تقدير الذات: كل فرد منا له قيمة معتد بها وعليه أن يستشعرها، ذلك الرجل الأفريقي الذي نتصور أنه لا قيمة له جاءه الأوروبيون ونهبوا ثروات أرضه ثم أخذوه عبر البحار لبلدانهم حتى يمتصوا طاقته، تلك القارة العجوز كما تسمى في حاجة لقدرات بشرية وعقول، ونحن نظن عدم وجود قيمة لنا بنظرهم ولكنهم بحاجة إلينا، بحاجة إلى عقولنا وطاقاتنا البشرية وثرواتنا الطبيعية.

كلمة بارزة

المقوم الأساسي للثقافة الإسلامية هي العبودية لله، أما المقوم الأساسي للثقافة الغربية هي الحرية الشخصية، وهذا ما لا يمكن الجمع بينهما


الكاتب: سماحة الشيخ علي ابراهيم الدرازي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى