ثقافة

اعدلوا بين أولادكم

يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “اتقوا الله واعدلوا في أولادكم”.⠀

حكم التفاوت في العطية بين الأولاد له ثلاث صور

الصورة الأولى: الكراهة: إذا كان لا يؤدي إلى إثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية إلى الفساد بينهم،⠀
كما أنه لم يكن لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته.

الصورة الثانية: الحرمة: إذا كان يؤدي إلى إثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية إلى الفساد بينهم.

الصورة الثالثة: الاستحباب: إذا كان لا يؤدي إلى إثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية إلى الفساد بينهم، وكان لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته.⠀

أسباب التفرقة

١- اختلاف الجنس: فهناك من الآباء من يفضل الذكور على الإناث وهناك العكس.⠀
وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): “ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء”.

٢- اختلاف العمر: فهناك بعض الآباء يفضل الابن البكر وهناك من يفضل آخرهم.⠀

٣- الاختلاف في الهبات والمنح الربانية: كالجمال والذكاء والقوة.⠀

٤- الاختلاف في بر الوالدين: فالقلب قد يلين للولد المطيع المهذب عن الولد العنيد.⠀

  • وقد تتضح هذه التفرقة في المعاملة في عدة صور، فمنها مثلاً:

١- المنح والمنع: كإعطاء مصروف أكبر أو شراء سيارة مثلاً، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): “اعدلوا بين أولادكم في النحل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف”.

وعن النعمان بن بشير: أعطاني أبي عطية، فقالت امي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتى النبي فقال: إني أعطيت ابني من عمرة عطية فأمرتني أن اشهدك، فقال: أعطيت كل ولدك مثل هذا؟
قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، لا أشهد على جور.

٢- اللين والقسوة: كالتمادي في تدليل البنت أو آخر العنقود مثلاً، مع القسوة في التعامل مع الأبناء الآخرين.

٣- الضم والتقبيل: فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): “إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القبل”.

وعن الإمام علي (عليه السلام): أبصر رسول الله رجلا له ولدان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال (صلى الله عليه وآله) فهلا واسيت بينهما؟!

٤- المدح والذم: كتكرار ذكر محاسن أحد الأبناء تحديداً أمام إخوته أو في التجمعات العائلية.

٥- الاهتمام والإهمال: كالإنصات لأحد الأبناء تحديداً عندما يتناقش أو الاهتمام بسماع وجهة نظره في الأمور اليومية، مع إهمال الابن الآخر وفي الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): والله إني لأصانع بعض ولدي واجلسه على فخذي، وأكثر له المحبة، وأكثر له الشكر، وإن الحق لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره، لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف وإخوته.

وقد تأخر إدراك إخوته لسلامة تقديم يعقوب له فقالوا: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾.

ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى خطورة المقارنة بين الإخوة في الدراسة ومعايرة أحدهم بتدني مستواه عن الآخر، لما قد يسببه ذلك من ضغائن بين الإخوة.

وقد يظن البعض بالخطأ أن الطفل الأقل تمييزاً فقط هو الذي سيقع عليه الضرر النفسي من هذا التمييز السلبي في معاملة الوالدين له دون الطفل المميز، ولكن الواقع أن كِلا الطرفين مُعرضٌ لآثار نفسية سلبية خطيرة في تكوين شخصيته وقد يستمر تأثيرها عليه طيلة عمره مستقبلاً.

فهذا الطفل المميز سوف ينشأ أنانياً محباً للتملك ولا يتقبل النقد والتوجيه من الآخرين، الأمر الذي سوف يوقعه لا محالة في مشاكل كثيرة عندما يعمل تحت رئاسة من لا يعرفهم، فيشعر بأنهم يضطهدونه عندما ينبهوه لأخطائه أو يحاسبونه عليها.

وكذلك لن يستطيع تحمل تبعات الزواج وتربية الأبناء، وسيضيق صدره عند أي مشكلة تواجهها أسرته الصغيرة.
وعلى الجانب الآخر فالطفل الأقل تمييزاً سوف يعاني من مشكلات وعقد نفسية أشد خطورة، والأمثلة على ذلك كثيرة:

١- سوف ينشأ حقوداً وغيوراً وكارهاً لأخيه المميز عنه.
٢- عدم الثقة في الأسرة وبعد ذلك في المجتمع عامة.
٣- تكوين آباء وأمهات غير أسوياء في تعاملهم مع أبنائهم في المستقبل.
٤- الإصابة بالعقد والأمراض النفسية: فقد يصاب بالانطواء والعزلة والشك المرضي في الآخرين والاكتئاب.
٥- عقوق الوالدين: روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): “إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك”.
٦- البحث عن الحب والحنان والتفاهم المفقود داخل الأسرة عند الأغراب:
مع ما في ذلك من خطورة الوقوع فريسة لأصدقاء السوء أو الأشخاص غير الأسوياء الأكبر منه سناً وخبرة.

الحل في العدل بينهم

وبالتأكيد فإن حل كل هذه المشكلات العويصة يكمن في العدل التام بين الأبناء عاطفياً ومادياً، وهو قول معلم البشرية الأعظم رسول الله صلى الله عليه وآله: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”.


ملخص الليلة السابعة عشر من شهر رمضان المبارك ١٤٤١ هـ | سماحة الشيخ هاني البناء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى