مقالات

شفيه دريسك وسخ ؟

أتى الصباح محمّلاً بأخبار الحصار والمعتقلين والمداهمات، انسلخ النهار من الليل، وجاء يوم جديد، إلا أنّ الحيرة داهمتني بشأن الذهاب إلى العمل.

بعد استخارتي للّه عز وجل وبالاتكال عليه، ذهبت إلى العمل، لعلّ ذهابي يكون لي ساتراً، إلا أنّ تعرض بعض الشباب المعتقلين للتعذيب الشديد في التحقيقات جعلهم يذكروني في اعترافاتهم، وكنت في هذه الأثناء برفقة أحد الزملاء خارج المكتب لأداء مهامي.

ورد اتصال لزميلي جميل من المكتب يستخبرون فيه عني، قال لهم إني نزلت لأداء بعض الأعمال، وكنّا حينها في مجمع التأمينات بمنطقة رأس رمان، قالوا له: «اجلبه لنا ولكن لا تخبره أي شيء، هناك أمرٌ بالقبض عليه».

ارتبك جميل وخشي أن يخبرني بما يجري، فاتصل بي ليستعجل مجيئي، عدتُ إليه واستفسرت منه عن سبب استعجاله، فأجابني أولاً أن الإدارة يريدون السيارة فوراً، ولكن يبدو أن ضميره أخذ يؤنّبه بعض الشيء، فأخبرني عند اقترابنا من المركز أنّ الإدارة تريدني، اعتقدت في البداية أنهم يريدوني لأداء بعض المهمات، إلا أنّ زميلي سألني: «هل يوجد في هاتفك شيء؟» أحسست هنا بحدوث أمر ما، سألته: «لماذا؟» قال لي: «لا يوجد شيء، ولكن دعه هنا في السيارة واذهب». شككت بالأمر، فقمت بإرسال رسالة لبعض الأصدقاء بأن لا يتحدّثوا معي إلا عندما أتحدث معهم، ومحوتُ بعض الرسائل والصور من هاتفي.

عندما دخلت إلى الإدارة، بادرني الرائد عدنان القطان بوجه المكفهر: «شفيه دريسك وسخ؟» ، نظرت إلى ثيابي فلم أجد شيئاً، عرفت حينها أنه يقصد أنني خنت هذا اللباس، قال لي: «استرح»، فجلست على الكرسي، عيناه كانتا تنبئان بالشر، والأجواء لم تبدُ كالمعتاد، سألت مسؤولي المباشر عن سبب إحضاري إلى هنا، فقال إنّه لا يعلم، تيقنت حينها أنّ هناك أمراً باعتقالي.

خلال لحظات معدودة، دخل اثنان بالزي المدني، قال لهم القطان: خذوه لعبد العزيز الرميحي، وكان حينها مديراً لأحد الأقسام في التحقيقات الجنائية، خرجت من الإدارة برفقة المدنيين وكل ما يجول في بالي هو الهروب، لكن عدداً كبيراً من المركبات المدنية والعسكرية كانت في انتظاري في الخارج!


  • الفصل الثامن عشر من كتاب وطن عكر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى