ثقافة

الجانب النهضوي في رؤى السيد الشهيد محمد باقر الصدر

قال تعالى في سورة فاطر 28: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }

في رحاب الشهيد الصدر تتداعى إلى الذهن الكثير من التصورات والمفاهيم التي لها صلة بواقعنا الحركي المتغير، خصوصا أن الشهيد الصدر له عنوان بارز في شخصيته الحركية وهو النهوض بالأمة، مثل هذه القامات التي لم تمت لا يمكن أن نستكشف خصائصها مالم نقرأ ظروفها ومحيطها التي ساهمت في إبرازها، ولكن للأسف نجد بعض الدراسات عن مثل هذه الشخصيات قد فصلتها عن بعدها النهضوي والاجتماعي الذي هو معلم مهم وبارز في شخصياتها، ونحن سنحاول استكشاف شخصياتها من هذا الجانب بالتحديد، من هذه الشخصيات هو الشهيد الصدر الذي يعتبر عَلَمَاً إسلامياً شامخاً.

  • الشهيد الصدر يؤمن بأن المشروع الإسلامي مشروع حياة بل ويقود الحياة، من يقرأ سيرته يرى أن المشروع الاسلامي بنظره لا يقتصر على مقارعة العلمانيين والمشكلين بل الإسلام مشروع بنائي للحياة، وبفعل هذه المقولة كان يفكر طويلا في الانطلاق من هذه الشبهات إلى تشييد نظريات حديثة تطبق على الواقع المعاصر.

الصدر حمل شمولية وموسوعية في العلوم، وطور جملة من العلوم والمباحث العلمية محاولا إخراجها من بطون الكتب إلى الواقع كما صنع في التفسير الموضوعي للقرآن.

وأيضا القراءة التاريخية إحدى جوانب إبداعاته، تنوعت المدارس التاريخية حتى تشكل لدينا إطار علمي ضخم في قراءة التاريخ والسيرة، أما إذا أردنا معرفة منهج الصدر وتمييزه عن غيره فلابد أن نبرز أهم خصائص هذه القراءة أو هذا المنهج:

خصائص منهج الشهيد الصدر لقراءة التاريخ

  1. الخاصية الأولى: القراءة الكلية المترابطة للتاريخ:

يمكن أن نقول أن الصدر من أول من أبدع هذا الأسلوب، على خلاف المنهج السائد القائم على قراءة التفاصيل، طرح هذا الأسلوب في كتابه المعروف: “أئمة أهل البيت تعدد أدوار ووحدة هدف” وهذا أسلوب لم يقتصر على السيرة بل جرى عليه في التفسير الموضوعي وفي كتاب اقتصادنا أيضا.

– المناهج لقراءة سيرة أهل البيت:

  1. التجريبي: يبرز الأئمة (ع) كقادة سياسيين اجتماعيين حالهم حال البشر الآخرين ففي موقع يتميزون بالقوة وفي موقع آخر يضعفون، فهم خاضعون لمجهر النقد وليسوا فوقه، وهذا منهج تتبناه التيارات غير الإسلامية وغير الشيعية.
  2. التجزيئي: اعتقد بأن الأئمة مسددون إلهيا، ومع ذلك فإن الصدر انتقد هذا المنهج لأنه لايمكن أن يعالج الحالات المتباينة بين المعصومين كاختلاف موقف الإمام الحسن  مع الإمام الحسين عليهما السلام، ونتيجة هذا المنهج وقع كثير من المفكرين في خلط وغلط في تفسير الخطوط العامة لأهل البيت، بل بعضهم نفى الأهداف العامة للأئمة (ع)!

من أبرز مخرجات هذا المنهج: الأئمة لهم بعد معنوي غيبي حتى قال بعض من كبار العلماء إن ثورة الإمام الحسين (ع) تكليف خاص به.

يقول السيد القائد بشأن هذا المنهج: استطاع هذا المنهج أن يشكل القراءة الرسمية في المذهب، وصار هو السائد.

3. المنهج الكلي: هو منهج الصدر الذي طالما حمل هاجس القراءة الموضوعية في سيرة أهل البيت (ع) واستنباط الخطوط العامة وكما يعبر: لابد أن نقرأ الامام الواحد كعنصر في مسيرة واحدة متصاعدة في الحقل المعرفي والسياسي والاجتماعي، هذا المنهج يحل إشكالية تباين مواقف الائمة (ع)، فليس لأحدهم هدف ثوري ولآخر هدف علمي وآخر عبادي، بل لكل واحد هدف مرحلي ضمن الهدف العام.

– يقول أحد المفكرين: اليوم التيارات الفكرية تطبق على تردي الواقع العربي والإسلامي، واختلفوا في السبب، فبعض يقول: المشكلة تكمن في الفتوى، ولكن نفس هذا المفكر يرد بأن الفتوى خاضعة لعملية معقدة هي وراء الفتوى.

وبعض يقول: المشكلة في قراءة النص الديني، ولكن بعض التيارات تجاوزت النص الديني مع أنها ما زالت متردية، فليست هنا المشكلة.

وبعض قال المشكلة في تحليلنا للواقع، ولكننا نقول انطلاقا من رؤية الصدر: فهم التاريخ له دور بالغ في حل مشكلاتنا حتى لو لم يكن هو العلة التامة للحل.

2. الخاصية الثانية: القراءة الحركية النهضوية: بُعد غاب أو غيّب في شخصيات أئمة أهل البيت (ع) في إطار القراءات المقتصرة على الفضائل والمآثر، الصدر سعى بشكل جاد لإيجاد الرابطة بين بعدهم الغيبي والبشري القيادي السياسي، ومن هنا يمكن القول بوجود عقلين لفهم الدين:

  1. عقل طقوسي: نظرة تاريخية للدين تقرأه على أنه عبادات وسلوكيات تقوم بها وتنتهي وتذهب لشأنك.
  2. عقل نهضوي: يرى في سيرة النبي (ص) وثورة الإمام الحسين (ع) مبادئ وقيما تبني واقعا اجتماعيا، مثلا الصدر كان يرى أن المجتمع العراقي مشابه للمجتمع في عصر الإمام الحسين (ع) يحتاج إلى صعقة تحيي إرادته، فكان هو من ضحى واستشهد متبعا بذلك خط جده الحسين (ع)، وهذا خير شاهد على تبني الصدر لهذا المنهج على الواقع.

3. الخاصية الثالثة: القراءة التوحيدية: هناك تصور إسلامي بأن أهل البيت (ع) شخصيات مظلومة اُقصيت عن الجانب الاجتماعي السياسي وبالتالي انكفئ الأئمة (ع) عن هموم الأمة، الوعي الديني الراهن يقرأ أهل البيت بأنهم كيانات متميزة في الصلاة والصيام والعلم، هذه القراءة لم توفق في قراءة سيرة الأئمة قراءة شمولية ولم يفهموا كيف أن الائمة أرادوا ربط الحياة في مختلف أبعادها بالله، وتحويل الأفعال الجزئية إلى مظهر لله في كل فعل وسكون.

وفي نفس الاتجاه انقسم المفكرون إلى قسمين في التقية، الإمام الخميني والشهيد مطهري والشهيد الصدر مثلا لا يقبلون بأن التقية تجميد للفكر الإسلامي وتعطيل للإسلام، بل هي وسيلة من وسائل العمل وبها يتغير أسلوب العمل لا غير.

4. الخاصية الرابعة: القراءة التحليلية الفلسفية: قراءة الصدر للسيرة أبرز فيها جانبا تحليليا أعانه على تقديم إجابات متينة على مواقف من السيرة، ومن نماذج تحليله:

  1. تفريقه بين الطاقة الحرارية والوعي: إن هذه الأمة التي صنعت البطولات في حياة الرسول انحرفت بعد وفاته لأن حركتها البطولية لم تكن ناتجة عن وعي مستقر، بل عن طاقة قد نفدت برحيل الرسول (ص)، نعم لكل منهما أهمية ولكل منهما دوره، فالمنطلق هو شرارة ثورية وحماس ولكن لابد أن يستقر كوعي فيما بعد.
  2. . المبدأية في عالم السياسة: الإمام علي (ع) لم يمض ولاية معاوية منذ أول لحكومته مع وجود تخريج يمكن الاعتماد عليه وهو التزاحم، ولكن نفس الشهيد الصدر أشكل على هذا، وقال بأن الامام لم يعتمده لأسباب:
  • (1)  الإمام يريد تشكيل جيش عقائدي، ولا ينسجم هذا الهدف هذا مع إبقاء معاوية في الحكم.
  • (2)  الإمام لم يقبل أنصاف الحلول بل هي تغرق الواقع لا تصلحه.
  • (3)  المجتمع كان يعيش حالة الشك وتداخل الأمور، وقبول أنصاف الحلول يزيد حالة الشك عنده وهذا ما لا يريده الأمير عليه السلام.

كلمة بارزة

الشهيد الصدر يؤمن بأن المشروع الإسلامي مشروع حياة بل ويقود الحياة، من يقرأ سيرته يرى أن المشروع الاسلامي بنظره لا يقتصر على مقارعة العلمانيين والمشكلين بل الإسلام مشروع بنائي للحياة.

لابد أن نقرأ الامام الواحد كعنصر في مسيرة واحدة متصاعدة في الحقل المعرفي والسياسي والاجتماعي، هذا المنهج يحل إشكالية تباين مواقف الائمة (ع).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى