ثقافة

الإعداد الولائي للمجاهدين

الإعداد الولائي ‏

يقول تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”1.

يرسم القران الكريم في هذه الاية المعالم المطلوبة في شخصية المجاهد قبل أمره بالجهاد.

فكان المَعْلَم الأول هو الإيمان، لذا خصّ‏َ الله تعالى الخطاب بالذين امنوا وكان المعلم الثاني هو التقوى، لذا أمر الله بها عقيب الخطاب.

وقد مرَّ الكلام عن هذين المعلمين وبقي المعلم الثالث وهو ابتغاء الوسيلة، فما المراد منها:

المراد من الوسيلة

والمراد بالوسيلة التي أمر الله تعالى ابتغاءها إليه هي القيادة الإلهية التي أمر الله بطاعتها والانقياد إليها. لذا ورد في تفسير القمي “وابتغوا إليه الوسيلة.. تقرَّبوا إليه بالامام”2 وهذا ما أكده أهل بيت العصمة العارفون بحقيقة القران فقال أمير المؤمنين عليه السلام تطبيقاً للآية السابقة: “أنا الوسيلة”3.

وعن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم: “الأئمة من ولد الحسين‏عليه السلام من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله عز وجل هم العروة الوثقى، وهم الوسيلة إلى الله عزَّ وجل”4.

وعليه فالوسيلة في هذا العصر التي لا بد من ابتغائها إلى الله قبل العمل الجهادي ومعه هو صاحب العصر والزمان‏عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو بدوره وبسبب غيابه جعل بيننا وبينه وسيلة تصلنا به ليصلنا إلى الله ألا وهو الولي الفقيه فقال‏ عجل الله تعالى فرجه الشريف: “… أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله”.

أهمية معرفة الولي

وقبل الكلام عن ابتغاء الوسيلة واتباع الولي عرض أهل العصمة ضرورة السعي لمعرفة الولي مؤكدين عدة أمور نعرض منها:

1- معرفة الولي معرفة الله‏

فقد سئل الإمام السجاد عليه السلام: يا بن رسول اللّه بابي أنت وأمي فما معرفة الله (التي هي الغاية من خلق الإنسان) فقال ‏عليه السلام: “معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته”5.


2- معرفة حق الولي شرط قبول العمل

فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “الزموا مودتنا فانه من لقي الله عز وجل وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقّنا”6.

3- عدم معرفة الولي جاهلية

فعن النبي‏ صلى الله عليه و آله وسلم: “من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية”7.

آثار طاعة الولي

لطاعة الولي اثار في الدنيا وأخرى في الاخرة.

في الدنيا: طاعة الولي سبب أساس للنصر وتحقيق الاهداف‏

بينما عصيانه قد يؤدي إلى الهزيمة، وقد أكد أمير المؤمنين‏ عليه السلام في خطابه لجيشه بعد احداث صفين سبب هزيمة المسلمين بعدم اطاعته فقال‏ عليه السلام مخاطباً جيشه: “صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فاخذ مني عشرة وأعطاني رجلاً منهم”8.

وفي الاخرة: تكون طاعة الولي سبباً لشفاعته القيادية فالقران الكريم يؤكد هذا بقوله “يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً”9.

وكما يشفع هذا الولي شفاعة قيادة يوم الاخرة، فان قائد السوء يجرُّ اتباعه ومطيعيه ليكون قائدهم الى جهنم فالقران الكريم يحدثنا عن فرعون بقوله “يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ”10.

كيف نطيع الولي؟

أو فقل كيف نبتغي إلى الله الوسيلة الابتغاء الذي هو المقدمة الاعدادية للجهاد؟ والجواب ان كيفية الطاعة للولي لها صور منها:

1- التسليم

فإنّ‏َ طاعة الولي لا بد أن تشمل القلب والباطن فضلاً عن الظاهر فلا يتردد في طاعته بل يكون المجاهد من الواثقين المقتنعين بأوامره، وهذا ما يستفاد من حديث للإمام الصادق‏ عليه السلام قال فيه: “لو أن قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة، وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشي‏ء صنعه الله أو صنعه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا صنع خلاف الذي صنع؟ أو وجدوا من قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا الاية َ “فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُون”.. “وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا”11ثم قال: عليكم بالتسليم”12.

ومن صور التسليم الكامل قول أحدهم للإمام الصادق‏ عليه السلام: “إني مسلّم لأمرك تسليماً كاملاً ولو شطرت رمانة شطرين، وقلت هذا حلال أكله، وهذا حرام، لقلت صدقت يا ابن رسول الله”13.


2- طاعة من عيّنهم الولي

فالطاعة مقتصرة على طاعة الاوامر الصادرة من شخص الولي بل تمتد إلى السلسلة الهرمية المعيَّنة من قبل الولي، وهذا أمر واضح إذ بدونه لا يستقر نظام، بل وقد تحصل الكارثة، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: “افة الجند مخالفة القادة”.


المصادر والمراجع

  • 1- المائدة:35.
  • 2- تفسير القمي، ج‏1، ص‏168.
  • 3- ميزان الحكمة، ج2, 1476.
  • 4- بحار الأنوار، ج‏36، ص‏244.
  • 5- القيادة في الإسلام، ص‏104.
  • 6- المصدر السابق، ص‏105.
  • 7- المصدر السابق، ص‏100.
  • 8- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج‏7، ص‏70.
  • 9- الإسراء:71.
  • 10- هود:98.
  • 11- النساء:65.
  • 12- الفصول المهمة، ج‏1، ص‏400.
  • 13- ميزان الحكمة، ص‏84.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى