ثقافة

المخبأ الآمن

أمن المطارد

ربما ينكشف المجاهد للعدو فيدخل في قوائم المطلوبين، وحينئذٍ تتغير حياته ليدخل مرحلة جديدة تقتضي منه أسلوبًا مختلفًا عما كان عليه، وفي هذه الحالة يبرز نوعان من المجاهدين:

الأول: يعتبر نفسه قد انتهى وانتهت وظيفته في الحياة وعليه أن يقضي عمره متخفيًا وكفى.

الثاني: يعتبر نفسه قد دخل مرحلة جديدة من العمل المقاوم، وهذه المرحلة تقتضي منه عملًا أكثر دقة وأشد حذرًا، فيهيء نفسه ويعد اللوازم المطلوبة وينطلق من جديد.

من الواضح أن الذي ينبغي أن يكون عليه المجاهد هو النوع الثاني، أما الأول ففيه قابلية لسريان مرض الإحباط واليأس إليه، وربما تكون ردة فعله عكسية تجاه المقاومة.

من الأمور التي يلزم اعدادها للمجاهد المطلوب هو توفير الملجأ الآمن.

الملجأ الآمن: هو المكان الذي يأوي إليه المجاهد ويضمن له أمنًا واستقرارًا ويعينه على أداء مهامه الجهادية، سواء كان بيتًا سكنيًا أو مهجورًا أو مزرعة أو…

ولهذا المكان شروط وضوابط لابد للمجاهد أن يأخذها بالحسبان حين تهيئة الملجأ، وهي:

1. أن لا يكون الملجأ قد كُشف أو سبق الاعتراف عليه حتى لو لم يتم اقتحامه، فبمجرد اعتقال أحد المجاهدين الذين يعلمون بأمر هذا المخبأ فإن على المجاهد المسارعة إلى الانسحاب منه حتى قبل أن يعلم بنتيجة التحقيق، فإذا علم أنه حصل اعتراف على هذا المخبأ فإنه يحظر عليه العودة إليه نهائيا، لأنه إن لم يتم اقتحامه فأغلب الظن أن يكون المخبأ تحت المراقبة، ونفس هذا الكلام يسري على منزل المجاهد فإنه اذا اعتُقل أحد المجاهدين الذين يعلمون بالاسم الحقيقي للمجاهد وعنوان منزله فيجب عليه ألا يستقر في منزله ولا يبيت فيه حتى يتيقن أنه ليس تحت النظر والمراقبة.

ولابد من الإنتباه إلى أن الأوراق التي تُعطى للمحامي وفيها افادات المجاهد أو التهم عليه لا تكشف كل شيء، فإن العدو يحتفظ في أدراجه بأضعاف مضاعفة من المعلومات.     

2. إن كان المخبأ بيتا سكنيا فيلزم ألا يكون موضع شك لدى مخابرات العدو ويكون عرضة للاقتحام واعتقال أصحابه الساكنين فيه لضلوعهم في نشاطات وطنية أو جهادية كأن يكون بيت أحد النشطاء أو السياسيين أو المشايخ المعروفين أو الشباب أصحاب الانتماء والنشاط المكشوف، فقد يصادف قدوم قوات العدو لاعتقال صاحب البيت مع وجود أحد المطاردين فيه فيُعتقل الإثنان معا.

3. أن يحوي الملجأ بداخله بعض الأمور والاحتياجات التي يجب أن يتسلح بها المطارد أو تلك التي قد تلزمه في يومياته كأدوات الإسعاف الأولي من أدوية وضمادات وسلاح إن تطلب الأمر وجهاز يربطه بالعالم الخارجي ليتابع الأخبار التي تهمه.

ولابد من التنبيه على أمرين:

الأول: إن أمكن التواصل مع الخارج وتنظيم العمل مع المجاهدين من دون استعمال جهاز موصول بالأقمار الاصطناعية والانترنت فيلزم العمل على ذلك وتجنب الأجهزة الالكترونية، وإن لم يمكن فيجب أن يكون المجاهد حذرا جدا في التعامل، فأقل ما يقال له هو ألا يتصل بالهاتف مثلا في الملجأ مطلقا، واذا استعمل الانترنت فليستعمله من دون أن يكون خط الانترنت مسجلا باسمه أو باسم أحد معارفه، وليحرص على فصل الجهاز عن الشبكة وفصل البطارية عنه في حال عدم استعماله. 

الثاني: إن وجود وسائل الراحة في الملجأ سبب لسعادة المجاهد والتخفيف من أعبائه، ولكن يمنع أن تكون راحة المجاهد على حساب أمنه، فلابد أن يبقى يقظا لما حوله وعلى استعداد دائم لأي طارئ.

4. كلما كان موقع الملجأ  كاشفا لمحيطه يكون الأمان فيه أكثر، بألا يكون مختفيا بين البيوت والداخل فيه لا يعلم بما حوله، وألا يكون أيضا في بداية القرية وعلى الشارع العام بحيث يصل إليه العدو بسرعة، بل يكون في مكان مرتفع نسبيا بحيث يمكن من خلاله مراقبة المحيط ورؤية القادم من بعيد لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة سواء بالانسحاب منه أو بإخفاء الموجودات فيه أو الاختفاء في مخبئ سري أو حتى إذا كانت المواجهة حتمية فينتبه المجاهد لذلك مبكرا ويستعد وبالتالي تكون مقاومته بشكل أفضل.

5. أن يكون الملجأ متعدد المداخل والمخارج بحيث يمكن دخوله من جهة والخروج من جهة أخرى وفائدة ذلك أنه في حال تعرض الملجأ لمحاولة اقتحام من الباب الرئيسي، فإنه توجد فرصة للانسحاب من المخرج الآخر، وهذه الميزة تتوفر بشكل كبير في الأنفاق فإنها في العادة تمتد لمسافات طويلة وتتفرع عدة فروع.

6. سلامة محيط الملجأ، بمعنى أن السكان المحيطين بالملجأ هم من الموالين للثورة، وليس من بينهم عملاء أو أشخاص يتقربون إلى السلطة بتقديم معلومات عن المقاومين والنشطاء.

 وذلك لتحقيق أمرين:

الأول: إذا صدرت من المجاهدين أخطاء أمنية أو تصرفات مريبة فلا تجد لها طريقا مباشرا إلى العدو.

الثاني: إذا حدثت مداهمة في المنطقة أو الملجأ فإن من خيارات المجاهد الالتجاء إلى المنازل المحيطة فيجد فيها الأمان.

7. أن يكون مدخل الملجأ مموها، حذرا من اكتشاف العدو له وحذرا من الأشخاص الفضوليين وحذرا من لعب الأطفال بالقرب من المكان، ولذلك فإن اخفاء المدخل له أهمية كبيرة في حفظه وبقائه.

8. أن يحوي الملجأ مكانا سريا بداخله بحيث يمكن في الأوقات الحرجة اخفاء بعض الأمور المهمة فيه، بل يمكن حتى للمجاهد أن يختفي فيه، وهنا يبرز الفن والابداع عند المجاهد في التمويه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى