ثقافة

ما هو واجب الأمة تجاه أبناءها المجاهدين

واجبنا تجاه المجاهدين

ما هو واجب الأمة تجاه أبنائها المجاهدين؟
هنالك مسؤوليات وواجبات كثيرة على الأمة تجاه العاملين والمجاهدين في سبيل الله والعدل والحرية، وهي واجبات يفرضها الشرع الإسلامي، وتحتمها المسؤولية الإنسانية وهي كما يلي:

أولاً: الالتحاق بصفوف المجاهـدين

لاشك أن المجاهدين منتشرون في أنحاء العالم، ووجودهم لا يقتصر على صقع من الأصقاع.. بل أينما وجد الظلم، والصراع بين الحق والباطل تجد أن للمجاهدين هنالك حضور.

والواجب يفرض على أبناء الأمة البحث عنهم للالتحاق بركبهم، ولابد أن تتحمل الجماهير عناء البحث عنهم.

إن المحرومين، وشعوب العالم الإسلامي المضطهدة قد عقدت الآمال عليهم، فهم نواة الثورة، ومن لم يحالفه التوفيق للالتحاق بركب المجاهدين، فليحاول إذن الدفاع عنهم، وعدم إلحاق الأذى بهم. والابتعاد عن المحافل التي تلتهم فيها لحومهم عبر الغيبة وتوجيه التهم الباطلة ضدهم.

يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: “من أغتاب غازياً في سبيل الله أو آذاه أو خلّفه بسوء في أهله نصب الله له يوم القيامة علم غدر فستفرغ حسناته ثم يركس في النار“.

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: “ومن سعى بأخيه إلى سلطان لم يبد له منه سوء، ولا مكروه أحبط الله عز وجل كل عمله، فإن وصل إليه منه سوء أو مكروه أو أذى جعله الله في طبقة مع هامان في جهنم“.

وقال الإمام الصادق عليه السلام: “من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله عز وجل“.

إن العناصر المتخاذلة في المجتمع والتي رضيت بالطاغوت والتي تجد نفسها بمنأى عن الأحداث السياسية، ولا يلمس لها دور في عملية الصراع الحضاري التي تخوضها الأمة، تحاول أن تبرر تخاذلها وتغطي غيابها وعدم مشاركتها، وذلك بإِثارة الشكوك حول المجاهدين، وضرب عزلة جماهيرية حولهم.

ومن هنا فإن الواجب على الواعين من أبناء الأمة أن يعملوا على نهر هؤلاء وكشف مقاصدهم المغرضة لعامة الناس وخلق أجواء إيمانية وثورية تدفع الناس نحو الالتحاق بالمجاهدين.

ثانياً: الموقف المعـنوي


إن الدعم المعنوي له الأثر البالغ في دعم عملية الثورة والحركة الجهادية نحو تحقيق الأهداف الرسالية.

ولا يتصور البعض أو يظن أن التشجيع المعنوي للمجاهدين غير مجدي، فالمجاهدون هم أحوج الناس للتشجيع من قبل الناس.

ليس المطلوب فقط أن يكتفي البعض بالتغني بما يصنعه المجاهدون من بطولات ومفاخر للأمة الإسلامية، بل لابد من أن يقوم بعمل تجاههم، ولو كان ذلك دفعاً معنوياً، وتشجيعاً روحياً.

يقول الحديث الشريف: “من قال لغاز مرحباً وأهلاً.. حيّاه الله يوم القيامة واستقبلته الملائكة بالترحيب والتسليم“.

ثالثاً: إيواؤهـم والانتصار لقضيتهم

إن التاريخ الإسلامي يطالعنا في صفحاته المشرقة عن المواقف المشرقة، والصور الرائعة في التضحية والإيثار والشجاعة والحمية.

ففي أحلك الظروف برزت هنالك نماذج رسالية تركت بصماتها مخلدة في جبين التاريخ والإنسانية.

وقد جسّدت امرأة في التاريخ بمواقفها الجهادية نوع من النماذج عندما وقفت وقفة الأبطال في ظروف تقاعس فيها الرجال وخذلوا الحق.

تلك المرأة هي (طوعة) التي آوت سفير الإمام الحسين بن علي عليه السلام في بيتها بالكوفة، بينما كانت تطارده السلطة، وتريد إلقاء القبض عليه.

وكانت تعلم أن أي تعاطف مع مسلم بن عقيل، وفي ظل الإرهاب الأموي لا يعني سوى اللعب بالنار، وتعريض نفسها للسجن والإعدام.

وكانت تعلم ـ أيضاً ـ أن كل الأبواب في الكوفة قد أغلقت في وجه أنصار الحسين عليه السلام ومبعوثه الخاص، وأي تعاون مع المجاهدين يعتبر مخاطرة، قد تطير فيها الرؤوس والأيدي والأرجل.

ولكنها رغم كل ذلك آوت مسلم بن عقيل، ووفرت له الحماية والأمن بعيداً عن أعين السلطات.

إن طوعة نموذج فريد للمرأة الرسالية المؤمنة، فقد كانت نعم المجاهدة.. ومصداقاً بارزاً للآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ1.

إن الله سبحانه وتعالى قد اعتبر الذين يأوون المجاهدين ﴿هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ وهذا يعني أن الذي يمتنع عن أداء هذا الواجب لا يكون مؤمناً حقاً.

وقد يتصور البعض أن إيواء العاملين في سبيل الله والمجاهدين يترتب عليه الخطر، والصعوبات كالاعتقال والتعذيب أو الإعدام، ولكن ماذا يحدث لو افترضنا حدوث هذا الأمر في سبيل الله، وفي سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

هاهو البطل الشهيد هاني بن عروة الرسالي الشجاع يقدّم نفسه للموت والإعدام، لأنه أخفى مسلم بن عقيل، وآواه في داره.. لقد دخل هاني الجنة، وغدا في مصاف الصديقين والشهداء.

والإيواء لا يعني فقط توفير المكان للمطاردين من المجاهدين، بل هو يعني أموراً كثيرة بكل ما تعني كلمة الإيواء من معنى.

رابعاً: الدعم الـمالي

إن المجاهدين أصناف، فمنهم من كان مهندساً وطبيباً، ومنهم من كان تاجراً وثرياً، والآخر طالباً ومدرساً أو عاملاً.. لقد تركوا وظائفهم ومهنهم بمحض إرادتهم واستجابوا لربهم والتحقوا بمسيرة الجهاد من أجل تحقيق الهدف الإسلامي المنشود.

وقد كان باستطاعتهم أن لا يلتحقوا بركب المجاهدين، ويوفروا لأنفسهم المال ويتحولوا إلى أثرياء.

ألم يكن باستطاعة المجاهدين ـ كغيرهم من الناس ـ أن يلتحقوا بالمهن والوظائف التي تدرّ عليهم الأرباح.. فيتجه بعضهم لدراسة الطب والآخر لدراسة الهندسة والآخر يصبح تاجراً وهكذا..؟؟

إنهم لم يفعلوا ذلك.. لأن مسؤولياتهم الرسالية، وحاجة الثورة الإسلامية للمتفرغين، ومتطلبات المرحلة دفعتهم نحو طريق الجهاد والتضحية بالمال والنفس وترك المهن والوظائف.. بل وترك الأوطان أيضاً.. إذا استدعت الظروف.

إن مسؤولية المجتمع وشرائحه المختلفةـ وبالذات الأثرياء والمتمكنين ـ إيصال المال والوسائل المادية إلى المجاهدين، باعتبار أن جهادهم هم من أجلهم، ومن أجل الإسلام والأمة الإسلامية.
إن المجاهدين حينما يأخذون المال ليس من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية، وإنما من أجل أن يسدوا حاجياتهم الضرورية في عملية الجهاد.

فإذا لم ينفق التاجر من ماله شيئاً، ولم يعط المتمكن، ويبرر غيرهم.. فمن أين إذن يصرف على المجاهدين، ومن أين تؤمن لهم المصاريف. مع علمنا بعدم وجود مداخيل وموارد تدرّ عليهم المال.

يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من أعان غازياً بدرهم فله أجر سبعين درة من درر الجنة وياقوتها ليست منها حبة إلا وهي أفضل من الدنيا“.

والتبرع للمجاهدين لا يقتصر على التاجر الكبير وحسب.. إذ ليس التبرع الكبير بديلاً عن التبرع الصغير.

فالواجب هو تقديم الدعم المالي كل حسب ما يملك ويستطيع، ومثال على ذلك، لو تحمل إنسان تاجر كبير تكاليف سفر مجموعة من المجاهدين، وآخر تحمل إعانة ذويهم، والثالث قام بتغطية مصاريفهم الشخصية، والرابع تكفل بدفع راتب شهري لقسم منهم، والخامس فعل أمراً آخر، فإنهم لو فعلوا ذلك لتم سد احتياجات المجاهدين، ولوفروا قسطاً كبيراً من الجهد الذي يذهب في توفير المال للعمل الجهادي.

خامساً: الوقف القلبي والدعاء لهم

إن الذي لم يحالفه الحظ للاشتراك في مجاميع المجاهدين، ولم يحظ بتوفيق المشاركة الجهادية معهم، إن باستطاعته الدعاء لهم، والتضرع إلى الله لنصرتهم وتثبيت أقدامهم.

والداعي للمجاهدين يتحسس آلامهم، ويشاركهم أهدافهم، ومشاعرهم.

أما أن نقول ما لنا والدعاء لهم، فهذا يعني الرضا بحالة التخلف في الأمة، والقبول بالأمر الواقع المتمثل في المعادلات الظالمة التي فرضها المستكبرون والطغاة.

إن أدنى ما يقدمه الإنسان المؤمن أن يرفع يديه بالدعاء للمجاهدين وإنكار المنكر بقلبه.

وللدعاء أثر كبير في مسيرة الرسالة والرساليين، وله مفعول سار في جسم الأمة. ذلك لأن الحياة قائمة على البعدين الروحي والمادي، بالإضافة إلى أن الدعاء يعبّر عن رؤية خاصة عن الحياة والكون والإنسان، كما أنه يعبّر عن موقف الداعي تجاه القضايا المختلفة.

وقد أولى الأئمة الأطهار عليهم السلام للدعاء أهمية كبيرة وخاصة وقد أعطى الإمام السجاد عليه السلام جانباً كبيراً من حياته الرسالية في توعية الجماهير ونشر مفاهيم الإسلام عبر الدعاء، وكان يدعو للمجاهدين والمقاتلين ويطلب من الله لهم النصر والظفر المبين.

وهناك دعاء معروف للإمام السجاد عليه السلام بدعاء أهل الثغور، حيث يدعو فيه الإمام للمجاهدين، وهو كما يلي: “اللهم صل على محمد وعلى آله وحصّن ثغور المسلمين بعزتك، وأيد حماتها بقوتك، واسبغ عطاياهم من جدتك.

اللهم صل على محمد وآله وكثّر عدتهم واشحذ أسلحتهم واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألّف جمعهم ودبّر أمرهم، وواتر بين ميرهم، وتوحّد بكفاية مؤنهم وأعضدهم بالنصر وأعنهم بالصبر وألطف لهم في المكر.

اللهم صل على محمد وآله.. وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنة نصب أعينهم، ولوّح منها لأبصارهم ما أعددت فيها من مساكن الخلد ومنازل الكرامة والحور الحسان والأنهار المطردة بأنواع الأشربة والأشجار المتدلية بصنوف الثمر حتى لا يهم أحد منهم بالإدبار ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار.

اللهم افلل بذلك عدوهم، وأقلم عنهم أظفارهم، وفرّق بينهم وبين أسلحتهم واخلع وثائق أفئدتهم، وباعد بينهم وبين أزودتهم وحيّرهم في سبلهم، وضلّلهم عن وجههم واقطع عنهم المدد وانقص منهم العدد، واملأ أفئدتهم الرعب واقبض أيديهم عن البسط، واخزم ألسنتهم عن النطق، وشرّد بهم من خلفهم، ونكّل بهم من ورائهم، واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم.

اللهم عقّم أرحام نسائهم، ويبّس أصلاب رجالهم، واقطع نسل دوابهم وأنعامهم.. لا تأذن لسمائهم في قطر، ولا لأرضهم في نبات.

اللهم وقوّ بذلك محال أهل الإسلام وحصّن به ديارهم وثمّر به أموالهم وفرّغهم عن محاربتهم لعبادتك وعن منابذتهم للخلوة بك حتى لا يعبد في بقاع الأرض غيرك ولا تعفر لأحد منهم جبهة دونك.

اللهم اغز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين، وامددهم بملائكة من عندك مردفين حتى يكشفونهم إلى منقطع التراب قتلاً في أرضك وأسراً أو يقرّوا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك.

اللهم وأعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد من الهند والروم والترك والخزر والحبش والنوبة، والزنج والسقالبة والديالمة، وسائر أمم الشرك الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم وقد أحصيتهم بمعرفتك وأشرفت عليهم بقدرتك.

اللهم اشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين وخذهم بالنقص عن تنقصهم، وثبّطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم.

اللهم أخل قلوبهم من الأمنة وأبدانهم من القوة وأذهل قلوبهم عن الاحتيال، وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال، وجبّنهم عن مقارعة الأبطال، وابعث عليهم جنداً من ملائكتك ببأس من بأسك كفعلك يوم بدر تقطع به دابرهم وتحصد به شوكتهم، وترق به عددهم.

اللهم وأفرج مياههم بالوباء وأطعمتهم بالأدواء وارم بلادهم بالخسوف، وألح عليها بالقذوف، وأفرعها بالمحول واجعل ميرهم في أحصّ أرضك وأبعدها عنهم وامنع حصونها منهم، أصبهم بالجوع المقيم، والسقم الأليم.

اللهم وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك أو مجاهد جاهدهم من اتباع سنتك ليكون دينك الأعلى وحزبك الأقوى وحظك الأوفى فلقه اليسر، هيئ له الأمر وتوله بالنجح وتخير له الأصحاب، واستقو له الظهر واسبغ عليه في النفقة ومتعه بالنشاط واصف عنه حرارة الشوق واجره من غم الوحشة وأنسه ذكر الأهل والولد، وأثر له حسن النية وتوله بالعافية، واصحبه السلامة وأعفه من الجبن وألهمه الجزاء وسدّده في الحكم واعزل عنه الرياء وخلّصه من السمعة واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك، فإذا صاف عدوك وعدوه فقللهم في عينه، وصغّر شأنه في قلبه، وأدل له منهم ولا تدلهم منه، فإن ختمت له بالسعادة، وقضيت له بالشهادة فبعد أن يجتاح عدوك بالقتل وبعد أن يجهد بهم الأسر وبعد أن تأمن أطراف المسلمين وبعد أن يولي عدوك مدبرين.

اللهم وأيما مسلم خلّف غازياً أو مرابطاً في داره، أو تعهد خالفيه في غيبته أو أعانه لطائفة من ماله، أو أمده بعتاد أو شحذه على جهاد أو اتبعه في وجهه دعوة أو رعى له من ورائه حرمة فاجر له مثل أجره وزناً بوزن ومثلاً بمثل وعوّضه من فعله عوضاً حاضراً يتعجل به نفع ما قدّم وسرور ما أتى به الوقت إلى ما أجريت له من فضلك وأعددت له من كرامتك.

اللهم وأيما مسلم أهمه أمر الإسلام وأحزنه تحزب أهل الشرك عليهم فنوى غزواً أو هم بجهاد فقعد به ضعف أو أبطأت به فاقة أو أخّره عنه حادث أو عرض له دون إرادته مانع فاكتب اسمه في العابدين وأوجب له ثواب المجاهدين واجعله في نظام الشهداء والصالحين.

اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وآل محمد صلاةً عالية على الصلاة مشرفة فوق التحيات صلاة لا ينتهي أمدها ولا ينقطع عددها كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك إنك المنان الحميد المبدئ المعيد الفعال لما تريد
“.

سادساً: المحافظة على أسرار المجاهدين

إن للمجاهدين رسالة.. تتلخص في إقامة حكم الله في الأرض.. فهم يهدفون الى إنقاذ الأمة من الجبت والطاغوت والأغلال عبر إسقاط حكم الطغاة.

فرسالتهم امتداد لرسالة الأنبياء والأئمة الطاهرين عليهم السلام.

فليس للمسلم أن يفشي سر أخيه المجاهد.. حتى وإن اختلفا في أمر وتفارقا.

إن هناك حالات معينة يقدم فيها البعض على إفشاء سر المؤمنين والمجاهدين وبدوافع مختلفة.. والفاشي هنا يتحمل أمام الله يوم القيامة وزر ما أقدم عليه.

فمن الأمور الرئيسية والخطيرة لأي تجمع جهادي هو أسراره وأساليب تحركه..

والأعداء يبثون عناصرهم العميلة في المجتمعات لجلب المعلومات عن المجاهدين وتحركاتهم وأساليبهم في العمل الجهادي بغية الإيقاع بهم.

ولذا لابد لأبناء الأمة أن يتحملوا واجبهم تجاه حفظ أسرار المجاهدين وأن يلوذوا بالكتمان.. حتى لا يساعدوا العدو ـ من حيث يشعرون أو لا يشعرون ـ في كشف خطط المجاهدين الرسالية.

يقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام: “وددت والله إني افتديت خصلتين في شيعة لنا ببعض لحم ساعدي: النزق وقلة الكتمان.2

وقال أيضاً عليه السلام: “أما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا سرهم وأفشوا عليهم فقتلوا3.

وقد ربط الأئمة عليهم السلام الجهاد في سبيل الله بكتمان السر واعتبروا من يكتم السر كالمجاهد في سبيل الله..

يقول الإمام الصادق عليه السلام: “كتمان أمرنا جهاد في سبيل الله“.

وليس هناك وسيلة أفضل من (الصمت) والكتمان للحفاظ على أسرار المجاهدين وتفويت الفرصة على عملاء العدو في معرفة أساليب المجاهدين وخططهم.

والحفاظ على أسرار المجاهدين يعني أن يضرب أبناء الأمة نطاقاً أمنياً لمنع تسرب أية معلومة عن المجاهدين إلى الأعداء. فحتى المعلومات التي يتصور البعض أنها جزئية.. فهي مهمة لدى المجاهدين وخطيرة لدى الطغاة الظالمين.. حتى ولو كانت تلك المعلومة كلمة واحدة. فرب كلمة تخرج من فم البعض عن المجاهد.. تؤدي إلى كشف مكانه ـ مثلاً ـ ومن ثم اعتقاله وقتله من قبل الطاغية.

فالإمام الصادق عليه السلام يقول: “يجيء يوم القيامة رجل إلى رجل حتى يلطخه بالدم والناس في الحساب. فيقول: يا عبد الله مالي ولك؟ فيقول: أعنت على يوم كذا وكذا بكلمة فقتلت4.

ولا يحسبن البعض من الذين يذيعون أسرار المجاهدين ولا يكتمونها أنهم سيبقون بمنأى عن بطش الطاغية.. فقد يشملهم الاعتقال والتعذيب..

يقول الإمام الصادق عليه السلام: “من استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المحابس“.

سابعاً: رعـاية عوائل المجاهدين

قد تفرض الظروف الجهادية على المجاهدين والعاملين في سبيل الله ترك أوطانهم بعيداً في ديار الغربة أو تجبرهم أجواء الإرهاب التي تسود بلادهم على الهجرة إلى خارج الوطن.. وعلى أثر ذلك بظل ذويهم وعوائلهم بلا معيل.

فلابد لأبناء الأمة أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاههم، وأن يحتضنوا عوائل المجاهدين ويشدّوا من أزرهم، فذلك يرفع معنويات المجاهدين.. ويدفعهم قدماً في درب الجهاد الطويل دون تردد.

وهذا الأمر ينطبق أيضاً على عوائل المعتقلين الذين زجت بهم السلطات الطاغوتية في السجون. فهم بحاجة إلى المساعدة المادية والمعنوية.

إن دعم المجاهدين والرساليين له أهمية كبيرة وذلك لسببين
الأول: إن اهتمام المجاهدين سوف ينصب بشكل كامل على العمل الرسالي وبالتالي يكونوا بمنأى عن الأمور الجانبية التي تقتطع جل أوقاتهم وتشغل بالهم وتفكيرهم.. وهذا لا يعني أن فقدان الدعم لذويهم يمثل عامل ضغط على المجاهدين ومسيرتهم الرسالية.. فهم مصداق حي للآية القرآنية التي تقول: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ5.

إنما الدعم الذي يقدم لعائلات المجاهدين سوف يوفر (الوقت) اللازم للمضي في طريق الجهاد، وتحقيق النصر والعدالة للأمة.

الثاني: إن مسيرة الجهاد تدعو أبناء الأمة إلى التآزر والتعاضد مع المجاهدين.. وإن مساعدة ذويهم هي مشاركة عينية في هذه المسيرة المباركة وإفشال خطط الأعداء القائمة على الضغط بالوسائل المختلفة على المجاهدين.

وعلى ضوء ذلك يطرح السؤال التالي نفسه:

كيف يمكن دعم ذوي العاملين في سبيل الله وعوائل المعتقلين والمجاهدين؟
هناك عدة طرق وأساليب يمكن اتباعها لدعم ومساعدة ذوي المجاهدين الرساليين ومنها ما يلي

أولاً: تبني فئة من أهل البر والخير قضية جمع المال والتبرعات من أبناء المجتمع المؤمنين ويتم إيصالها عبر القنوات المعدة سلفاً لهذا الغرض إلى العوائل والمحتاجين من ذوي المجاهدين.

ثانياً: تشكيل مجموعة تكون مهمتها الإطلاع على أحوالهم تمهيداً لإحاطتهم بالرعاية المستمرة والدعم المتواصل.

ثالثاً: أن يتبنى المتمكنون من التجار والممولون عملية دفع الراتب الشهري لعوائلهم.

رابعاً: أن يتحمل كل فرد من أفراد المجتمع مسؤوليته الشرعية في قرارة نفسه بضرورة مساعدة عوائل المجاهدين وذويهم ويقوم بمبادرة ذاتية في هذا الجانب.

ثامناً: الإعلام للمجاهدين ولأهدافهم

إن إعلام المستكبرين يحاول عبر أجهزته المختلفة من الصحف والتلفاز والإذاعات تشويه سمعة المجاهدين وتضليل الرأي العام وإيجاد انطباع خاطئ وكاذب عنهم في أذهان الجماهير.

فتارة يصف المجاهدين بالإرهابيين وتارة ثانية بالمتمردين، وأحياناً أخرى يبث الإشاعات المغرضة في أوساط الجماهير بغية النيل من شخصياتهم وضرب طوق العزلة حولهم.

ومن الأمور الواضحة هنا أن أساليب الطغاة في التضليل الإعلامي كثيرة ومتعددة..

فهناك جيش من المرتزقة وأصحاب الأقلام الرخيصة يستخدمهم الطغاة والمستكبرون للنيل من المجاهدين.

ومن هنا يبرز دور أبناء الأمة في تعريف الناس ـ كل الناس ـ بأهداف المجاهدين ودورهم في إنقاذ شعوب الأمة الإسلامية.. وفضح مؤامرات الطغاة في تشويه سمعة المجاهدين.

يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من بلغ رسالة غازٍ كان كمن اعتق رقبة وهو شريكه في باب غزوته“.

ويمكن لأبناء الأمة أن يقوموا بدورهم الإعلامي للمجاهدين ولأهدافهم عبر الخطوات التالية:

1- أن يتحمل كل مؤمن من أبناء الأمة المسؤولية في ترويج منشورات المجاهدين ومطبوعاتهم وتوزيعها على الناس بشتى الطرق والأساليب.

2- كتابة الرسائل إلى الصحف والمجلات والمنظمات والمؤسسات الإنسانية الدولية، يُشرح فيها أهداف المجاهدين ودورهم في إنقاذ المحرومين والمستضعفين.. وتُفضح فيها أساليب الطغاة والمستكبرين في تشويه سمعة المجاهدين.

3- كتابة العرائض الموقعة التي يعترض فيها على الحكومات الطاغوتية لقيامها باعتقال المجاهدين وتعذيبهم، وإرسال هذه العرائض إلى كل المؤسسات من صحافة.. وتلفاز.. وإذاعات ومنظمات إنسانية في الداخل والخارج.

4- حينما يسافر أحد أبناء الأمة إلى الخارج ـ مثلاً ـ بإمكانه أن يزور مكاتب المؤسسات الدولية الإنسانية ويشرح لهم عن دور الحكومات الطاغوتية في إرهاب الناس وإرعابهم واعتقال المجاهدين ومصادرة حرياتهم.

كما يمكنه أن يتحدث لمن يثق به من الناس في تلك البلاد عن أهداف المجاهدين ودورهم الرسالي والإنساني.

5- ولابد لأبناء الأمة من التحدث مع بعضهم البعض في الأحداث والوقائع السياسية والاجتماعية التي تجري في البلدان الإسلامية.

سواءً تلك الأحداث التي تتعلق بممارسات السلطات الطاغوتية ضد الشعوب أو الأحداث التي ترتبط بالدور الجهادي الذي يؤديه المجاهدون في إنقاذ الأمة من الجبت والطاغوت.

هذا الدور الرسالي الذي قد لا يتناهى إلى أسماع كافة الناس، أو قد يتناهى إلى أسماعهم بصورة مشوهة، نظراً للتعتيم والتشويه الإعلامي للطاغوت.

إذن لابد لأبناء الأمة أن يتعاطوا أنباء المجاهدين ويتداولوا أخبارهم وانتفاضاتهم في كل بقاع الأرض.

تاسعاً: تحريض الناس على الجهاد

إذا لم يكن باستطاعتك أن تكون مجاهداً، أو لم يكن بمقدورك تقديم المساعدة المالية، فإنك تستطيع أن تحث الناس على الانضمام إلى صفوف المجاهدين.

عاشراً: تقديم المعلومات والأخبار

لا تتوانى عن تقديم أية معلومة أو خبر نافع لهم، سواء أخبار المجتمع وأوضاعه، أو أخبار النظام وخططه وأفعاله.

إن واجبنا تجاه المجاهدين هو تقديم كل شيء نستطيع تقديمه حتى وإن كان ذلك بحجم إبرة أو بمقدار درهم.

يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من جهّز غازياً بسلك أو إبرة غفر الله له وهو شريكه في باب غزوته“.

ويقول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ6.

المصدر: كتاب افاق الجهاد الاسلامي، السيد محمد العلوي


المصادر والمراجع

1- الأنفال: 74.
2-
البحار ج72.
3-
البحار ج72.
4-
الصياغة الجديدة ص392.
5-
التوبة: 111.
6-
الأنفال: 74.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى